عادة الكرم عند القبائل العربية.. إرث أصيل يواجه تحديات العصر
أسماء صبحي – تعد عادة الكرم أحد أبرز العادات المتجذرة في ثقافة القبائل العربية. وقد شكلت على مدار قرون طويلة سمةً أصيلة من سمات العرب حتى أصبح يضرب به المثل في المروءة والنخوة والشهامة. وهذه العادة لم تكن مجرد تصرف فردي، بل كانت سلوكًا جماعيًا ومنظومة اجتماعية تعبر عن القيم القبلية والهوية العربية.
ورغم تحولات الزمن وتغيّر أنماط الحياة، لا يزال الكرم حاضرًا في حياة الكثير من القبائل. وإن اختلفت أشكاله بين الماضي والحاضر.
عادة الكرم في الجذور القبلية
يعد الكرم ركيزة أساسية في الحياة البدوية، إذ كان يعكس مبدأ “النجدة والعون” في الصحراء القاسية. فالضيافة للغريب، ومشاركة الطعام مع الفقير، وإيواء الملهوف، كانت واجبًا لا ترفًا. وقد ارتبط الكرم في المخيال العربي بـ القبائل الكبيرة مثل قبيلة عنزة، وقحطان، وشمر، ومطير وغيرها.
وكانت المضافات والمجالس أو “الديوانيات” في بعض المناطق المكان الذي تمارس فيه هذه العادة. فكل بيت في القبيلة كان بمثابة “بيت مفتوح” يستقبل الضيف دون معرفة مسبقة، بل دون أن يسأل عن اسمه أو غايته في الأيام الثلاثة الأولى.
النموذج الأشهر
من أبرز رموز الكرم في التاريخ العربي حاتم الطائي. شاعر الجاهلية المعروف بجوده الذي تجاوز المال ليصل إلى العفو والمواقف. ويستشهد به في كتب التراث كمثال خالد على العطاء غير المشروط.
ويقول الدكتور عبدالله الفيفي، أستاذ الأدب في جامعة الملك سعود، إن عادة الكرم في الثقافة القبلية لم تكن مرتبطة بالثراء..بل كانت مرتبطة بالشرف، ومن لا يكرم ضيفه كان يعد عارًا على قبيلته. لذا نرى أن حاتم الطائي ظل مخلدًا ليس لأنه كان غنيًا، بل لأنه جسّد القيم القبلية في أصفى صورها”.
أشكال عادة الكرم
تجلى الكرم في عادات متعددة، من أبرزها:
- ذبح الذبائح للضيوف، وقد تذبح ناقة أو أكثر إذا كان الضيف وجيهًا أو ذا شأن.
- استضافة الغريب دون سؤال.
- البدء بالقهوة والتمر كطقوس ترحيب أولية، تليها وجبة رئيسية.
- تقديم المال أو الدعم دون طلب، خاصة في حالات المرض أو السفر.
- فتح المنازل والمساجد لاستقبال المحتاجين في أوقات الشدة أو النزاعات.
وفي العصر الحديث، ظهرت أشكال معاصرة للكرم، مثل تبني الطلاب الفقراء، أو دفع ديون الغارمين. أو تمويل حفر الآبار وبناء المنازل في الدول الفقيرة.
تحديات العادة
مع تطور الحياة الاقتصادية وتراجع نمط الحياة البدوية. ظهرت تحديات كبيرة تهدد هذه العادة:
- ارتفاع تكاليف المعيشة أدى إلى انخفاض الاستعداد لتحمّل نفقات الضيافة.
- نمو الثقافة الاستهلاكية والميل إلى المظاهر أفرغا الكرم من مضمونه الإنساني. وأصبح في بعض الأحيان ميدانًا للمباهاة أكثر من كونه قيمة.
- غياب الضوابط الشرعية أحيانًا، إذ يرى بعض العلماء أن الإسراف في الولائم يناقض مفهوم الكرم الشرعي.
الحفاظ على العادة
رغم التحديات، سعت العديد من القبائل والمؤسسات الاجتماعية إلى إحياء عادة الكرم بشكل مستدام. ومن هذه الجهود:
- تنظيم الولائم الجماعية في المناسبات دون تكلف.
- تشجيع المجالس التربوية التي تزرع قيمة الكرم في نفوس الأطفال.
- مشاريع الصدقة الذكية التي توجه العطاء في مسارات فعّالة.
- إطلاق جوائز سنوية لأكثر الشخصيات والجهات إسهامًا في العمل الخيري.
كما أطلقت بعض القبائل مبادرات مثل “عشاء واحد للضيف” و”لا ترهق جارك بالوليمة”. وهي حملات تهدف إلى إعادة الكرم إلى معناه الأصيل بعيدًا عن المظاهر.



