حوارات و تقارير

اللواء نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق: سلاح الاستطلاع الوحيد الذى لم ينسحب من سيناء بعد النكسة

أبلغنا عن تفاصيل النقاط الحصينة لليهود وتفاصيل خط بارليف.. وإسرائيل ذُهلت من الدقة فى قصف تلك المواقع

دعاء رحيل

ثعلب الاستطلاع وعين الجيش المصري في أشد الظروف وأصعبها قبل أكتوبر 73 حين كانت القوات المسلحة أحوج ما تكون إلى معلومة عن اليهود في سيناء، وجيش الاحتلال وعتاده وقواته وتسليحه، فنقل سلاح الاستطلاع كل التفاصيل بالصوت والصورة كما يقولون، فصار العدو كتابا مفتوحا للجيش المصري الذي أذاقه الذل والهزيمة يوم العبور العظيم، وجسد سلاح الاستطلاع ملحمة حقيقية ساهمت بشكل كبير في النصر واسترداد الأرض.

اللواء «نصر سالم»، أحد رموز سلاح الاستطلاع المصري آنذاك ورئيسه فيما بعد، والذي نجح في نقل كل ما يدور على الشاطئ الآخر للقناة وقضى 180 يوما خلف خطوط العدو يرسل بالمعلومات الموثقة بالصور والإحصائيات عن جيش العدو وتحركاته، ما جعله أحد أبطال مصر في الحرب.. «صوت القبائل» استعادت ذكريات القتال والمجد مع اللواء نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق وأستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في الحوار التالي..

 

*في حرب النكسة انسحبت جميع أسلحة الجيش لغرب القناة وبقي الاستطلاع كما هو.. كيف تم ذلك؟

نعم بالفعل والحقيقة أننا فوجئنا بقرار الانسحاب بهذه الطريقة ولو ظلت القوات وقاومت لما كان لإسرائيل أن تتقدم، ولكن القيادة العسكرية فوجئت باستمرار تدفق المعلومات عن العدو واكتشفت أننا لم ننسحب، فصدرت الأوامر باستمرار البقاء وإرسال المعلومات عن الجيش الإسرائيلي، وهذه مهمتنا في الأساس ولم يكن من المعقول أن نترك مهمتنا ونترك مواقعنا الطبيعية في الاستطلاع.

 

*حدثنا عن طبيعة وظيفتك في الأساس.

وظيفتي الرئيسية هى جمع المعلومات وتقدير الموقف عن العدو، وذلك من خلال معرفة نقاط قوته وضعفه، وإصدار القرار المناسب فى الوقت المناسب، لأن طبيعة الضباط والصف ضباط والجنود لابد أن يكونوا على درجة عالية من الدقة فى الأداء لأن طبيعة العمل لا تتحمل الخطأ وإلا سوف يتعرض كل أفراد المجموعة إلى الخطر.

 

*حدثنا أكثر عن طبيعة سلاح الاستطلاع وكيفية تنفيذ المهام.

مسؤول الاستطلاع يقوم بجمع المعلومات التى قدمتها مجموعات الاستطلاع عن العدو قبل الحرب من خلال الملاجئ والمعدات، ويتأكد ويتحقق من صحتها ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عن تمركزات العدو، فأصبحت الضفة الشرقية للقناة ومسرح عمليات الجيش الإسرائيلي كتابا مفتوحا للقيادة العامة للقوات المسلحة.

 

*بصفتك أول قائد لمجموعة خلف خطوط العدو.. ما تفاصيل المهمة؟

 

عملتُ خلف خطوط العدو لمدة 180 يوما، كنت أقوم بجمع المعلومات عن أهم تحصينات ومواقع العدو الإستراتيجية، وساعدت تلك المعلومات التى تم إعطاؤها للقيادة العامة للقوات المسلحة فى توجيه ضربات لأهم الحصون والدشم ونسف مطارات العدو، ولقد صدم قادة إسرائيل بعد استهداف هذه المواقع الحصينة، بدقة بالغة، وهو ما أصابهم بحالة من الصدمة والذهول لأنهم لم يتوقعوا ذلك.

 

*كيف كان دور رجال الاستطلاع فى الانتصار بحرب أكتوبر؟

رجل الاستطلاع هو الجندى المجهول فى كل الحروب التى شاركت فيها مصر، فدائماً ما نسمع أن القوات العسكرية دمرت بعض النقاط فى تحصينات العدو، لكن قبل هذا التدمير هناك قوات استطلاع اكتشفت هذا العدو وهى التى أرشدت قوات التنفيذ إلى أهدافها، فمصطلح جهاز الاستطلاع ظهر بالقوات المسلحة المصرية عام 1974، وقد تم إنشاؤه كفرع من فروع القوات المسلحة عام 1978، فعناصر جهاز الاستطلاع هي عبارة عن رادارات بشرية تستكشف وتجمع المعلومات عن العدو، وترسل تقارير وافية للقيادة العامة في القاهرة، يتم اختيار العناصر بعناية فائقة ممن لديهم قدرات خاصة مثل إجادة الرماية وحُسن التصرف وسرعة البديهة والدقة والانضباط، فضلا عن قدرة التحمل؛ لأن كمية الذخيرة محدودة وكمية الطعام محدودة للغاية، والتي كانت تتكون من 50 كيلو جراما، فقد كانت دفعتي تتكون من 1000 ضابط من الكلية الحربية، تم فرزهم واختيار 20 ضابطا فقط منهم؛ للقيام بمهام الاستطلاع خلف خطوط العدو في سيناء، فنجاح الضربة الجوية في حرب أكتوبر بنسبة 80%، ونجاح قوات المدفعية في تدمير تحصينات العدو شرق القناة، يعود الفضل فيه بعد المولى سبحانه وتعالى إلى المعلومات التي أمدت بها عناصر الاستطلاع المتمركزة خلف خطوط العدو، القيادة العامة للقوات المسلحة.

 

*وماذا عن تعاون أهالي سيناء مع أفراد الاستطلاع؟

 

أهالي سيناء وطنيون بشدة ولم يتوانوا لحظة واحدة عن تقديم العون والتضحية في سبيل تحرير سيناء. كما لم ينسوا وطنهم الأم، وكان هناك تعاون كبير من أهالي وشيوخ وعواقل سيناء طوال خدمتي خلف خطوط العدو، وكانوا يتميزون بالوطنية والشجاعة وإنكار الذات، وبدو سيناء لديهم روح وطنية عالية وكانوا يرفضون الاحتلال الإسرائيلي رغم محاولة الإسرائيليين الدائمة الضغط عليهم لعدم مساعدتنا أو أن يكون لهم ولاء لغير مصر، تارة بالإغراء المادي وتوفير الكثير من حاجاتهم، وتارة أخرى بالتعذيب والتنكيل بهم ليخافوا، لكنهم-“البدو”-، قدموا لنا كافة المساعدات الممكنة لإعاشتنا وإخفائنا عن أعين مخابرات العدو ودورياته.

 

 

 

*حدثنا أكثر عن طبيعة دوريات الاستطلاع التي نفذتها؟

 

كنا ننفذ دوريات استطلاع من أعلى الجبال والتخفى بين الصخور في منطقة عيون موسى وسدر الحيطان وجبل المُر، وبعد عبور الجيش المصري إلى الضفة الشرقية ورغم تحقيق الانتصارات، لم تنتهِ مهمتي أنا وزملائي، بل كنا نقوم بإبلاغ القوات العابرة بأوامر القيادة في الأماكن التي كان يصعب فيها الاتصال خصوصًا عند تغيير بعض الخطط.

 

وما المواقف التي لا تنسى في المهمة؟

هناك موقف أعتبره معجزة لا أصدقها حتى الآن، ففي أحد الأيام كُلفت باستطلاع مكان ما، فتحركت مسافة لا تقل عن 7 كيلو مترات، ثم اكتشفت من الخريطة أن هناك لسانا جبليا صخريا يحيط بموقع العدو، ويشرف عليه فاخترت أعلى نقطة فيه، وتسلقتها لكنني لم أكن أعلم أن هذه النقطة ستكون قريبة جداً من العدو، فبعد أن تسلقت الجبل في تمام الساعة الثامنة صباحاً فوجئت بأنني في قلب معسكر العدو، وأن برج مراقبة العدو على مرمى حجر، وأيقنت أن الشهادة قادمة، لكنني أصررت على إكمال مهمتي وتمنيت الشهادة ثم فردت سلك الإرسال، وأرسلت المعلومات في خمس دقائق مرت كالدهر، وفي هذه الأثناء لم أجد أحداً يتقدم ناحيتي، وبنظري إليهم وجدتهم منشغلين، ولم يكتشفوا أمري بعد، فرجعت غير مصدق أنهم لم يروني بالرغم من وجودي في قلب معسكرهم.

 

*ما الذى يجول بخاطرك عن ذكريات حرب أكتوبر؟

حرب أكتوبر هى الوحيدة التى كان هناك تعامل مباشر مع إسرائيل خلاف حرب 56 والعدوان الثلاثى أو حرب النكسة 67، فصبيحة يوم 6 أكتوبر 73 كان يوجد لإسرائيل على قناة السويس أكبر مانع فى التاريخ خط بارليف، فهذا الخط كان يستمر فى الحرب دون أى إمداد أو تمويل ولا يستطيع أحد تدميره بأى سلاح تقليدى، فإسرائيل كانت تقول إن هذا الخط يسبق مصر بـ50 سنة من التقدم العلمى والعسكرى، لكن القوات المصرية اقتحمت هذا الخط فى 6 ساعات، وأصبح لدينا 50 ألف جندى على الضفة الأخرى من القناة، ونواصل تقدمنا إلى أن تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لتغير مصير الحرب بشكل كبير.

 

*بالعودة لثغرة الدفرسوار.. ما أسبابها الحقيقية؟

فى الحقيقة هناك بعض النقاط تلخص قصة ثغرة الدفرسوار، فالخطأ جاء من القوات المصرية حين نفذت مبدأ من مبادئ الحرب يسمى بالمخاطرة المحسوبة، وهو أننا خاطرنا بدفع جزء احتياطى من الجنود فى وقت غير مناسب ومكان غير مناسب من أجل تخفيف الضغط على سوريا، لأن سوريا كادت إسرائيل أن تحتل دمشق فكان علينا أن نشتبك مع إسرائيل حتى لا يطول فى اتجاه سوريا، فكانت النتيجة أننا أخللنا بالحفاظ على الاتزان التعبوى لمرحلة معينة، بجانب التدخل الأمريكى العسكرى تمكنت إسرائيل من عبور بعض قواتها، حتى جاء القرار من القوات المسلحة المصرية بدفع لواء مدرى لسد الثغرة.

 

وعندما نتحدث عن الثغرة لا يمكن أن ننسى زيارة وزير الخارجية الأمريكى إلى مصر وتوجه للسادات قائلا له “نحن نعلم أنك ستقوم بهجوم على القوات الإسرائيلية فى ثغرة الدفرسوار، لكن هناك رسالة من الرئيس الأمريكى إذا حاولت تدمير هذه القوات أننا سنتدخل لحماية السلاح الأمريكى وعدم إهانته أكثر من هذا”، فرد السادات “لن أوقف القتال حتى نسترد آخر شبر من الأرض”، فرد وزير الخارجية الأمريكى “أرضك سوف تعود وجيشك هو الضامن”، وبدأت المفاوضات، وهذا يدل على قوة الجيش المصرى.

 

* لماذا لم يستطع الإسرائيليون تعقب فرق الاستطلاع المصرية في عمق سيناء؟

في الحقيقة الجانب الإسرائيلى استخدم كل الوسائل حتى يوقف رجال الاستطلاع فى حرب أكتوبر، من حرب إلكترونية وقصاصى أثر وكوماندوز وكلاب حرب، إن كل ذلك لم يحقق لهم هدفهم . كنا كما وصفنا موشيه ديان فى هذا الوقت حين قال “إن الجيش المصرى يمتلك رادارات بشرية تراقب وترى وتحلل كل ما يدور فى أرض المعركة”.

 

* العدو بعد 67 أصبح شديد الغرور والعجرفة.. هل هذا أفادكم بسبب عدم حذره واحتياطاته؟

لا شك فى ذلك ونقطة الغرور والعجرفة لدى الاحتلال الإسرائيلى لعبت دورا مهما جدا فى انتصار أكتوبر، فكان كافيا أنهم لم يتحملوا الصدمة الأولى من الحرب والتى أعطت القوات المسلحة المصرية الأولوية فى الانتصار، لكن بعد ذلك استفاق وكان يتصرف بحذر شديد جدا.

 

*أين كنت عند عبور القوات المصرية خط بارليف وهزيمة إسرائيل؟

كنت وقتها خلف خطوط العدو، وللأسف لم أرَ لحظة العبور فكنا من حين لآخر نستمع لأخبار فى بعض الإذاعات عن أن هناك انتصارا للقوات المصرية، لكن لم نعلم طبيعة هذه الانتصارات، كما أننا كنا نرى انسحاب العدو فى اتجاه العمق الإسرائيلى فكانت هذه دلائل للنصر بالإضافة إلى كل فترة أطلب من قائدى أن يقدم معلومات.

 

*حدثنا عن أهمية حرب الاستنزاف ؟

كانت حرب الاستنزاف هى الاختبار الحقيقى الذى أثبت للمصريين قدرتهم الحقيقية بعد النكسة، فلم نعرف قدر أنفسنا إلا من خلال هذه الحرب خاصة الغارات التى كنا نشنها على العدو.

 

*كيف ترى تطور مصر عسكريا في عهد الرئيس السيسي ؟

فى الحقيقة الوضع العسكرى الحالى فى أحسن صورة وأحسن تجهيز من بعد حرب أكتوبر 73، فالتسليح المصرى لم يعد عليه قيد من أى دولة فى العالم، كما كان قبل 2013، فكنا فى السابق نعتمد على التسليح الأمريكى، وبالتالى كان يسمح للولايات المتحدة بالتدخل فى القرار السياسى فى بعض الأوقات، لكن الآن هناك تنوع فى التسليح ما بين العديد من الأسلحة التى حصلنا عليها من روسيا، والترسانة البحرية الميسترال وسفن اقتحام سريعة فرنسية، بجانب طائرات الرافال، بالإضافة إلى غواصات الدولفين الألمانية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى