رمضان زمان.. عقاب بائع «الكنافة» الغشاش بخلع ملابسه والجلوس في صنية ساخنة (اعرف الحكاية)
أميرة جادو
بحلول شهر رمضان المبارك، تنشط عملية البيع والشراء في العديد من الأسواق المصرية، ومن أشهرها سوق «البلح» بحي روض الفرج بشبرا، الذي يباع فيه ويشترى كافة أصناف البلح من كل بقاع مصر، علاوة على أسواق المكسرات والياميش وقمر الدين بحي «بين الصورين»، وسوق «الفوانيس» بتحت الربع، وسوق الملابس بالعتبة والموسكي، لكن الأسواق قديما كان لها شكل وتقاليد مختلفة.
ومنذ نشأت القاهرة باتت مركزا للتجارة العالمية، وأثر ذلك على حركة البيع والشراء بها، فتحولت أسواقها أكثر بقعها ازدحاما وضجيجا، وفي الشهر الفضيل كان الازدحام على «الحوانيت» أكثر المظاهر إثارة وتشويقا في أسواق القاهرة، خاصة أن أهلها حسبما لاحظ الرحالة كانوا يشترون طعامهم مطهيا من الأسواق، واستمر هذا الوضع حتى مجيء الحملة الفرنسية في نهاية القرن الـ18، ويرجع ذلك إلى قلة الوقود اللازم لعمليات الطهي بالمنازل وارتفاع أسعاره، ولا شك أن الفترة المحددة للإفطار وهي لحظة الغروب، كان يسبقها صخب يمتد إلى وقت السحور.
وأوضح فؤاد مرسي في كتابه «معجم رمضان»، حركة البيع في الأسواق في شهر رمضان بمصر قديمًا، راصدا عدد من أشهر الأسواق التي كانت تشتهر بها مصر شهر رمضان، خاصة خلال فترة حكم المماليك والحملة الفرنسية على مصر.
سوق «بين القصرين»
كما وثق الرحالة المغربي «العبدري» حال سوق «بين القصرين» في أواخر شهر رمضان من عام 788 ه، إذا صادفه سوء الحظ فنزل بمدرسة «الكاملية» المطلة على السوق، فقال: «كنت قلما أرقد إلا منغصا لصياح الباعة وهم يبيعون طول الليل وقلما يكون طعام الشريف منهم والوضيع إلا من السوق، والطرق غاصة بالخلق حتى ترى الماشي فيها لا هم له سوى التحفظ من دوس الدواب إياه ولا يمكنه تأمل شيء في السوق، لأن الخلق مندفعون فيها مثل اندفاع السيل، وقد ضاعت لي بها دابة بسبب الزحام، وكان عليها شخص راكب فتكاثر عليه الزحام حتى أسقط عنها، واندفعت في غمار الخلق ولم يمكنه التوصل إليها وهو يبصرها حتى غابت عنه، وكان آخر العهد بها».
وبحسب ما جاء في كتاب «معجم رمضان»، كان هذا الصخب والضجيج يتوقف في لحظة واحدة، إذا ما شعر التجار وعامة الناس بنزول المماليك إلى الشوارع للاقتتال، وكثيرا ما كان يحدث ذلك، فيسرع أصحاب المتاجر إلى إغلاق أبواب حوانيتهم والهرب بحياتهم خلف أبوابها الضخمة، وتتحول الطرقات والدروب إلى مقبرة للصمت المخيف.
سوق «الشماعين»
تعددت الأسواق التي كانت تنشط فيها الحركة خلال شهر رمضان بشكل خاص، وبالتحديد خلال العصر المملوكي، وقال «المقريزي»: «كان سوق الشماعين بالنحاسين الذي كان يمتد من جامع الأقمر إلى سوق الدجاجين في القاهرة، من أهم الأسواق خلال القرنين الـ8 والـ9 الهجريين، فكان به في شهر رمضان موسم عظيم لشراء الشموع الموكبية التي تزن الواحدة 10 أرطال أو أقل».
وتابع «المقريزي»: «وكان أرباب سوق الشماعين يحتفلون بمقدم هذا الشهر بتعليق الفوانيس المتخذة من الشمع على واجهات الحوانيت وعلى جوانبها، وكانت أحجام الشموع تتنوع ما بين كبيرة وصغيرة فمنها شموع المواكب الكبيرة، ومنها ما يزن 10 أرطال، ومنها ما يحمل على العجل ويبلغ وزن الواحدة منها القنطار».
وكانت مشاهدة هذا السوق في الليل من الأشياء المحببة للمصريين، وبفضل هذا السوق وتقاليد تجارته نشأت فوانيس رمضان التي نعرفها الآن.
سوق «السكرية»
ولا يقارن حركة سوق «الشماعين» في رمضان بحركة ونشاط الأسواق والحوانيت التي كانت تبيع أصناف الياميش وقمر الدين وعلى رأسها سوق «السكرية» داخل باب «زويلة»، وكان يعج بأنواع «الياميش» و«قمر الدين»، حيث كان «البدالون» أي أصحاب البقالة يفرشون على أبواب محالهم الياميش وقمر الدين، وكانت رخيصة السعر في متناول الجميع، حتى كانت تقدم للضيوف في رمضان للفكاهة والتسلية، بل كانت توزع على الأطفال الذين يسيرون في زفة بالفوانيس.
سوق «الحلاوين»
ومن أبهج الأسواق وأكثرهم جمالا خلال شهر رمضان، هو سوق «الحلاويين»، حيث كان يصنع فيه من السكر أشكال خيول وسباع وغيرها تسمى «العلاليق» ترفع بخيوط على الحوانيت، فمنها ما يزن 10 أرطال إلى ربع رطل، وتشترى للأطفال، فلا يوجد أحد في السوق سواء كان فقيرا أو ثريا حتى يبتاع منها لأهله وأولاده.
وكالة «قوصون»
كانت وكالة «قوصون» بشارع «باب النصر»، التي ترجع إلى القرن الـ8 الهجري، مقر أساسي لتجار الشام، ينزلون فيها ببضائع بلاد الشام من الزيت والصابون والفستق والجوز واللوز والخروب، وبعد هدم الوكالة في القرن الـ9، انتقلت تجارة المكسرات إلى وكالة مطبخ العمل بالتمبكشية بالجمالية، وكانت مخصصة لبيع أصناف النقل كالجوز واللوز وغيرهما، ومن الطعام الغريب الذي كان يباع في الأسواق في شهر رمضان، الدجاج المطبوخ بالسكر، وقد يضاف إليه الفستق فيعرف بالفستقية أو الجوز، وكان يسمى بـ«الجوزية».
وخضعت الأسواق في العصر المملوكي لمراقبة «المحتسب»، الذي كان يمر من حين لآخر على أسواق المدينة يتقدمه عامل يحمل الميزان والصنج، وخلفه الجلادون والخدم، وهو يمر على الدكاكين والأسواق واحدا بعد الآخر يفحص الموازين والمكاييل، ويستفسر عن ثمن المأكولات، ويتأكد من نظافتها، وإذا اكتشف مخالفة يعاقب مرتكبها على الفور.
عقاب البائعين الغشاشين
وذكرت المصادر وكتب التاريخ عقوبات غريبة أنزلها «المحتسب» على الغشاشين، وأشهرها الرجل الذي كان يبيع الكنافة ناقصة الوزن، فأمر المحتسب بجلوسه عاري المؤخرة فوق صينية الكنافة الساخنة، وأحيانا كان المحتسب يقطع جزءا من الأذن أو الأنف.