تاريخ ومزارات

سقوط قرطبة.. النهاية التي غيرت تاريخ الأندلس

شهدت قرطبة، درة الأندلس وعاصمة الحضارة الإسلامية في الغرب، فصولًا من المجد قبل أن تسقط في يد القشتاليين، إيذانًا ببداية النهاية لحكم المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية، قبل انهيار الأندلس بالكامل بقرون، تعاقبت عليها دول إسلامية، بدءًا من الأمويين الذين جعلوها منارة العلم والثقافة، مرورًا بملوك الطوائف الذين تسبب تفرقهم في إضعافها، ثم المرابطين الذين حاولوا استعادة مجدها، وأخيرًا الموحدين الذين أدى انهيارهم إلى تسارع سقوط المدن الإسلامية واحدة تلو الأخرى.

تاريخ سقوط قرطبة

كما تفكك دولة الموحدين أشعل الثورات في أنحاء الأندلس، مع ضعف الحكام وعجزهم عن صد هجمات قشتالة، وفي أوائل عام 1236، انطلقت قوة قشتالية من أندوجر شرقي قرطبة، متجهة نحو قلب المدينة، التي كانت مقسمة إلى خمس مناطق محصنة بأسوار منيعة، استهدف القشتاليون الربض الشرقي الأقرب إليهم، وبحسب مصادرهم، تمكنوا من اختراق الأسوار بمساعدة بعض الساخطين من داخل المدينة، ما مكنهم من السيطرة على الأبراج وقتل عدد من السكان، بينما فر الباقون إلى الداخل.

وصلت أنباء الهجوم إلى فرناندو الثالث ملك قشتالة، فسارع بجيوشه نحو قرطبة، ليصل في السابع من فبراير 1236 ويضع خطة محكمة لإخضاع المدينة، في المقابل، استنجد أهل قرطبة بابن هود، أمير مرسية، الذي خرج لنجدتهم، لكنه عسكر بالقرب من إستجة، مترددًا في التقدم بسبب سوء الطقس ونقص المؤن، وفجأة، سرت شائعات بين المرتزقة في جيشه عن قوة القشتاليين، فقرر التراجع خاصة بعد أن طلب منه أبو جميل زيان، أمير بلنسية، المساعدة ضد هجوم أراجوني.

كما تركت قرطبة لمصيرها، فقاوم أهلها ببسالة، لكن غياب القيادة الموحدة جعل موقفهم هشًا، بينما واصل فرناندو حصاره، قاطعًا المؤن حتى بدأت المدينة تنهار، حاول أهلها التفاوض طلبًا للأمان مقابل التسليم، لكنهم تراجعوا آملين في فك الحصار، إلا أن فرناندو استغل العداء بين ابن الأحمر وابن هود، فعقد تحالفًا مع الأول لمنع أي تدخل ينقذ المدينة.

بعد أن فقد القرطبيون الأمل، عادوا للتفاوض، وفي 29 يونيو 1236، دخل فرناندو المدينة منتصرًا، وتوجه مباشرة إلى الجامع الكبير، حيث أقام الأساقفة قداسًا شكريًا ورفعوا الصليب على منارته، محولين إياه إلى كنيسة ما زالت قائمة حتى اليوم، ثم استقر في قصر قرطبة وعين حاكمًا قشتاليًا عليها، لتبدأ مرحلة جديدة من التاريخ تستقبل فيها المدينة المهاجرين القشتاليين من كل حدب.

هكذا طويت صفحة قرطبة الإسلامية بعد أن حكمها المسلمون منذ عام 711 وحتى 1236، لتُسدل الستارة على حقبة امتدت 525 عامًا، مخلفة إرثًا حضاريًا لا يزال شاهداً على مجد لم يدم، وتحولت المدينة من عاصمة للعلم والثقافة إلى مجرد بقعة في ملك قشتالة، لتبدأ الأندلس رحلتها نحو النهاية المحتومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى