تاريخ ومزارات

مدينة القيروان: عاصمة الثقافة الإسلامية في المغرب العربي

أسماء صبحي – تعد مدينة القيروان واحدة من أبرز المدن التاريخية في العالم الإسلامي. وهي من أولى المدن التي تأسست في العصر الإسلامي في شمال إفريقيا. وتقع في وسط تونس، وتعتبر من المدن ذات الطابع التاريخي الفريد، بفضل آثارها العريقة ومعالمها التي تجسد تطور الحياة الإسلامية في تلك الحقبة.

تأسست القيروان في عام 670م على يد القائد العسكري عقبة بن نافع، الذي اختار هذه المنطقة كقاعدة لنشر الإسلام في بلاد المغرب. ومنذ تأسيسها، تحولت القيروان إلى مركز ديني وثقافي، ولعبت دورًا محوريًا في التاريخ الإسلامي. كما أنها كانت نقطة انطلاق لحركة الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا.

تاريخ مدينة القيروان

القيروان ليست مجرد مدينة، بل هي رمز للحضارة الإسلامية في شمال إفريقيا. وتأسست على يد عقبة بن نافع في بداية الفتح الإسلامي للمغرب العربي، وأصبحت في فترة زمنية قصيرة عاصمة للأمويين في إفريقيا. وبفضل موقعها الاستراتيجي، شكلت القيروان مركزًا حيويًا لتبادل المعرفة والثقافة.

وفي العصور الإسلامية الوسطى، كانت القيروان تعد أحد أكبر المراكز العلمية في العالم الإسلامي، حيث احتضنت العديد من العلماء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم. وقد بدأت المدينة في الازدهار منذ البداية، حيث أسس فيها جامع عقبة بن نافع، الذي أصبح مركزًا هامًا لتدريس العلوم الدينية والشرعية. كما كانت المدينة مركزًا تجاريًا بارزًا، حيث كانت تحتل مكانة عالية في حركة التجارة بين الشرق والغرب. ويمر عبرها العديد من القوافل التجارية التي تربط بين مكة المكرمة والأندلس.

أهم المعالم التاريخية في القيروان

  • جامع عقبة بن نافع: يعتبر هذا المسجد من أبرز المعالم في القيروان ومن أقدم المساجد في إفريقيا. وتم بناء الجامع في عام 670م، ويعد تحفة معمارية إسلامية بديعة. كما يتميز بتصميمه الفريد الذي يدمج بين الفن المعماري العربي التقليدي والتقنيات الفارسية والبيزنطية. ويشتهر الجامع بمئذنته التي تعتبر من أقدم المآذن في العالم الإسلامي، إضافة إلى الزخارف الرخامية والخشبية التي تزين جدرانه.
  • الفسقية الأغالبة: أحد المعالم المائية الهامة في القيروان. وكانت تستخدم كمصدر رئيسي لتخزين المياه في المدينة، وقد تم بناء هذه الفسقية في القرن التاسع الميلادي. كنا تعد الفسقية تحفة هندسية مدهشة، فهي تتكون من قنوات مائية ضخمة تحت الأرض، وتمثل تطورًا كبيرًا في تقنيات الري وإدارة المياه في ذلك الوقت. والفسقية هي مثال حي على كيفية استخدام الهندسة المعمارية الإسلامية لخدمة البيئة.
  • المدينة العتيقة: تعتبر المدينة العتيقة في القيروان من أبرز وأهم معالم المدينة. كما تتميز أزقتها الضيقة والمباني القديمة التي تعكس الحياة التقليدية في العصور الإسلامية. وتعتبر المدينة العتيقة مركزًا تجاريًا وثقافيًا مهمًا، حيث يعرض فيها السجاد القيرواني الشهير والحرف اليدوية مثل الخزف والنحاس.
  • الأسواق التقليدية: تتناثر في أرجاء المدينة العتيقة الأسواق التقليدية التي تحمل عبق التاريخ. كما تعد أسواق القيروان من أقدم الأسواق التي تمثل التراث التجاري في العصور الإسلامية. حيث يتم بيع المنتجات المحلية مثل التوابل، الأقمشة، التحف الفنية، والأدوات التقليدية.

القيروان مركزًا علميًا وثقافيًا

كانت القيروان بمثابة منارة علمية في فترة ازدهارها. وعلى مر القرون، استقطبت المدينة العلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وكان يدرس فيها العديد من العلوم الدينية والشرعية، بالإضافة إلى الفلسفة والفلك والطب. وقد أنشئت في القيروان أول جامعة إسلامية تدرس مختلف العلوم الشرعية والعلمية. وكان علماء القيروان يُعتبرون من الأوائل في مجال الفقه والتفسير.

وكان للقيروان أيضًا دور كبير في نشر المذهب المالكي. حيث أصبح مذهب المالكية هو المذهب السائد في شمال إفريقيا بفضل تلاميذ القيروان الذين نقلوا تعاليمه إلى بلاد المغرب والأندلس.

ويقول الدكتور محمود الزواوي، الباحث في التراث الإسلامي، إن مدينة القيروان ليست مجرد مدينة تاريخية، بل هي قلب ثقافي نابض بالحياة. والحفاظ على هذه المدينة يعني الحفاظ على جزء أساسي من تاريخنا وهويتنا الإسلامية. كما يجب أن نعمل جميعًا على ترميم وحماية هذه المدينة التاريخية، لأنها تمثل مرآة للثقافة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى