سوق القيصرية: نافذة على التاريخ والتراث في قلب العراق

أسماء صبحي
في مدينة كركوك، التي تعد واحدة من أقدم المدن العراقية وأكثرها تنوعًا ثقافيًا. يقف سوق القيصرية شامخًا كرمز للتراث والهوية المحلية. وبني السوق عام 1855 خلال الحقبة العثمانية، وهو ليس مجرد مكان للتجارة، بل يجسد روح المدينة وتاريخها العريق. كما يجذب السوق الزوار والسكان المحليين على حد سواء، ليعيشوا تجربة فريدة تعيد إحياء أجواء الماضي بأزقته الضيقة ودكاكينه العتيقة.
التصميم المعماري لـ سوق القيصرية
يعد السوق تحفة معمارية بامتياز، حيث عرف بتصميمه الفريد الذي يحمل رموزًا تعكس الزمن ودورة الحياة. كنا أن التفاصيل المعمارية ليست مجرد زخرفة، بل تحمل معاني أعمق. وجاء تصميم السوق كالتالي:
- 365 متجرًا: ترمز إلى عدد أيام السنة، مما يعبر عن استمرارية الحياة والحركة التجارية على مدار العام.
- 12 غرفة صغيرة في الطابق الثاني: تجسد عدد شهور السنة، مما يربط المكان بالدورة الزمنية.
- 24 ممرًا: تمثل ساعات اليوم، وكأن السوق لا ينام. كما يعج بالحياة في كل لحظة.
- 7 أبواب: تشير إلى أيام الأسبوع، في إشارة إلى أن السوق كان مفتوحًا دومًا لاستقبال الزوار.
هذا التصميم المتقن يعكس براعة البنائين في العهد العثماني. الذين لم يكتفوا ببناء مكان للتجارة، بل أرادوا أن يكون السوق رمزًا للزمن ذاته.
ولم يكن السوق مجرد مركز تجاري، بل كان قلب الحياة الاجتماعية في كركوك. كما كان الناس يتوافدون إلى السوق ليس فقط لشراء البضائع، بل لتبادل الأخبار، وعقد اللقاءات، وتوطيد العلاقات الاجتماعية.
واشتهر السوق بالحرفيين المهرة الذين صنعوا المنتجات اليدوية، مثل السجاد، والأواني النحاسية، والأقمشة المطرزة. كما كانت هذه الحرف تنقل من جيل إلى آخر، مما جعل السوق مركزًا للحفاظ على التراث الحِرفي المحلي.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في التراث العراقي، الدكتور أحمد العزاوي، إن سوق القيصرية ليس مجرد مكان للبيع والشراء، بل هو مرآة تعكس تنوع كركوك الثقافي والتاريخي. كما يشعرك المشي في أروقته وكأنك تسافر عبر الزمن، لتعيش لحظات من تاريخ المدينة العريق.
التحديات والصمود
على مر العقود، واجه سوق القيصرية العديد من التحديات، من الحروب والتغيرات السياسية إلى الإهمال العمراني. ورغم كل ذلك، صمد السوق أمام اختبارات الزمن، بفضل جهود السكان المحليين الذين تمسكوا به كموقع أساسي في هويتهم الثقافية.
وفي عام 2018، خضع السوق لعمليات ترميم واسعة للحفاظ على طابعه التاريخي، مع محاولة إعادة إحياء الحِرف التقليدية. وفتح متاجر تعرض الصناعات اليدوية التي كانت تُميز السوق في الماضي.
واليوم، يعتبر سوق القيصرية وجهة سياحية فريدة في كركوك. كما يقبل عليه الزوار من مختلف أنحاء العراق، وحتى من خارج البلاد، لاستكشاف تفاصيله المعمارية. وشراء الهدايا التذكارية المصنوعة يدويًا.
وتقام في السوق أحيانًا فعاليات ثقافية تسلط الضوء على تاريخ المدينة. مثل معارض الفنون الشعبية والعروض الموسيقية التراثية. وتعيد هذه الفعاليات إحياء روح السوق، وتذكر الأجيال الجديدة بأهميته كمعلم ثقافي.