العلويون من العزلة إلى النفوذ كيف تغير مسارهم السياسي في سوريا

لم يكن للعلويين أي دور سياسي بارز في سوريا قبل وصول الاحتلال الفرنسي عام 1918، فقد كانت مشاركتهم محدودة تحت حكم الدولة العثمانية، لكن مع حلول الانتداب الفرنسي بدأت ملامح التحول الكبير في واقع هذه الطائفة، فقد اضطرت الدولة العثمانية منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى تغيير سياساتها تجاه الأقليات ومنها العلويون تحت ضغط التدخل الأوروبي، وهو ما فتح الباب لتحولات سياسية واجتماعية لاحقة.
تاريخ الفرنسيون والعلويون
عندما دخل الفرنسيون سوريا انتهجوا سياسة فرق تسد فقاموا بتقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة وفقًا للتنوع المذهبي والطائفي، فكما أنشؤوا دولة الدروز في الجنوب، أسسوا دولة العلويين في الشمال الغربي على الساحل السوري بين عامي 1920 و1936، وأطلقوا عليها اسم دولة جبل العلويين، ضمت هذه الدولة خليطًا سكانيًا متنوعًا، حيث سكن العلويون في المناطق الجبلية، بينما استقر السنة على الساحل إلى جانب أقليات مسيحية وإسماعيلية، في 29 سبتمبر 1923 أُعلنت الدولة رسميًا واتُخذت اللاذقية عاصمة لها، فيما بلغ عدد سكانها آنذاك نحو 278 ألف نسمة، حكمها إقطاعيون من عائلة الكنج واستمرت حتى 5 ديسمبر 1936، حين تم دمجها نهائيًا في سوريا الموحدة بموجب اتفاق باريس، ورغم اعتراض بعض وجهاء العلويين على هذا الدمج، ردت فرنسا بأن العلويين ليسوا ناضجين بما يكفي لإدارة دولة مستقلة، وهو موقف يتناقض مع سياستها السابقة في دعم انفصالهم.
لم تنجح هذه الدولة المصطنعة في إزالة مشاعر الخوف الطائفي لدى العلويين، بل عززت العزلة والشكوك المتبادلة بين الطوائف السورية، فقد عمد الفرنسيون إلى استغلال هذا الواقع عبر تجنيد العلويين وأقليات أخرى في قوات الأمن لمواجهة الحركات القومية والوطنية السورية، الأمر الذي فاقم العزلة الاجتماعية وزاد من حساسيات باقي المكونات تجاه العلويين.
ما بعد الاستقلال بداية التحول الحقيقي
عقب استقلال سوريا عام 1946، وافق زعماء دولة العلويين على الاندماج في الدولة الموحدة، وبدأت موجة هجرة جماعية للعلويين من جبال الساحل إلى المدن بحثًا عن فرص اقتصادية جديدة، في هذه المرحلة ظهر دور أكرم الحوراني، السياسي السني من حماة، الذي لعب عبر الحزب العربي الاشتراكي دورًا محوريًا في تمكين الفلاحين من مختلف الطوائف، وهو ما فتح المجال أمام جيل جديد من العلويين للصعود الاجتماعي، حيث تمكنوا من الحصول على التعليم الجامعي وفرص العمل والتملك في المدن، وهو ما لم يكن متاحًا لهم من قبل.
دور حزب البعث في صعود العلويين
في السياق ذاته برزت شخصية وهيب الغانم، الطبيب العلوي المنتمي إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي تأثر بالفيلسوف زكي الأرسوزي الذي يعتبر المنظر الفكري الأساسي للحزب قبل ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، ساهم الغانم في جذب العلويين إلى الحزب خاصة في اللاذقية، وكان له تأثير خاص على طالب شاب من القرداحة ينتمي إلى عشيرة الكلبية، هو حافظ الأسد.
نجح حافظ الأسد في تحقيق ما لم تستطع دولة العلويين ولا ثوراتهم السابقة إنجازه، مثل ثورة إسماعيل خير بك في القرن التاسع عشر، فقد استغل ذاكرة الخوف الطائفي لدى العلويين وحشد سكان الجبال حوله ليصل إلى السلطة عام 1970 عبر انقلاب عسكري عرف بالحركة التصحيحية، اعتمد على العصبية الطائفية في بداية حكمه لكنه عمل على تعزيز هيمنة العلويين داخل المؤسسات العسكرية والأمنية مستفيدًا من الهيكلية التي تركها الفرنسيون، ومع مرور السنوات عزز الأسد هذا الخوف الطائفي عبر مواجهات دامية، كما حدث في مجازر حماة عام 1982، ليكرس حكمًا استمر حتى وفاته عام 2000، تاركًا وراءه إرثًا سياسيًا معقدًا لا يزال يؤثر في سوريا حتى اليوم.