خبير عسكري يروي لـ “صوت القبائل” قصة بطولة أحمد كيرة “طريد المخابرات البريطانية”
أسماء صبحي
أحمد عبد الحي كيرة، أحد أخطر أبطال الجهاز السري لثورة 1919. قد لا يعرفه الجيل الحالي، ولا السابق وربما الأسبق. فقد كان “كيرة” واحداً من الشباب الوطني الفدائى الذي باع عمره لوطنه بلا مقابل وبدون مساومة. شارك الشاب الفدائي منذ دراسته بكلية الطب في عدة خلايا سرية للثورة. ونفذ مع زملاء آخرين عمليات لاغتيال جنود وضباط إنجليز وسياسيين هادنوا سلطات الاحتلال في ظل اعتقال زعماء الوفد ونفيهم.
بطولة أحمد كيرة
وقال اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، إن كيرة كان يجيد التنكر والتخفي والتحدث بلغات مختلفة. يوماً ما تجده نجاراً، ويوماً آخر شيخاً معممًا، وتارة جنديا بريطانياً ومرة أخرى فلاحًا بسيطاً. وعندما اكتشف أمره في اعترافات قتلة السير لي ستاك عام 1924. بدأت المخابرات البريطانية ملاحقته وأصبح واحداً من أهم المطلوبين لديها. حتي أنها اصدرت منشوراً لجميع مكاتبها في العالم تقول فيه “اقبضوا عليه حيًا او ميتًا، اسمه احمد عبدالحي كيرة، كيميائي كان طالباً في مدرسة الطب، خطير في الاغتيالات السياسية، قمحي، قصير القامة وذو شارب خفيف وعمره 28 عاماً”، وتنقل “كيرة” من مخبأ الى آخر وعرف متعة العيش في خطر.
وأضاف اللواء نصر سالم، أن قيادات الجهاز السري للثورة اضطرت حينها أن تقوم بتهريب الفدائي العظيم إلى ليبيا ومنها إلى اسطنبول. وظل سنوات طويلة مطاردًا، وقد قابله هناك الأديب الكبير يحيى حقي عام 1930. والذي كان يعمل موظفاً بالقنصلية المصرية في اسطنبول وكتب عنه (“بعبع” الانجليز. يبحثون عنه بعد أن فتلوا له حبل المشنقة، كنت لا ألقاه إلا صدفة وألح عليه ان نأكل معاً، فيعتذر قائلا: قريباً إن شاء الله، وظل هذا حالي معه أربع سنوات كلما أدعوه يعتذر بأدب، وقد رأيت فيه المثل الفذ للرجل الشريد، كانت ملابسه تدل على مقاومة عنيدة للفاقة وغلبت صفرته التحتانية على لونه الأصفر، يمشي على عجل ويحذر كأنه يحاول أن يفلت من جاسوس يتبعه، ويخلو كلامه من أي عاطفة، فلا تدري إن كان متعباً ام غير متعب.. جيبه نظيف أم دافئ، معدته خاوية أم عامرة؟).
وفاة كيرة
وكتب عنه حقي أيضا: “حاولت ان أعرف أين يسكن فلم أنجح وقيل لي أنه يسكن في ثلاث شقق كل منها في حي بعيد عن الآخر ولا ينام في فراش واحد ليلتين، إنه يعلم أن المخابرات البريطانية لن تكف عن طلبه حتي لو فر إلى أقصى الأرض، إنها لا تنسى ثأرها البائت”.
اختتم اللواء نصر سالم حديثه قائلا: “فيما بعد وجدوا جثة “كيرة” في حفرة بجوار سور اسطنبول القديم مقتولاً بطعنة خنجر، لقد نفذت فيه المخابرات البريطانية حكم الإعدام دون محاكمة ليبقي مثالًا للشباب الوطني بتضحياته وفدائيته”.