وطنيات

ميخائيل وديع .. طبيب ودّعته مطروح بالدموع

عرف عادات وتقاليد القبائل وشعر بهم وداوى فقراءهم مجانًا

محمد بخات 

 

خدم مطروح وأبناءها بكل ما يملك، وقضى حياته كلها في علاج المرضى والكشف عليهم، عمل بإخلاص وجهد وضرب أروع الأمثلة في الإنسانية والشرف، واستقطع من وقته ومرتبه البسيط لخدمة فقراء وضعفاء أهالي مطروح، وكانت قاعدته في التعامل مع المرضي هي عدم تقاضي كشف من عامل محتاج أو موظف فقير. كان يمتاز بالبساطة والتواضع في تعامله مع المرضى وكان يعالج أهالي مطروح بتفانٍ وحب فبقي في قلوب الجميع وعاش في ذاكرتهم.

ميلاده

إنه الدكتور ميخائيل وديع صياد، أول طبيب أشعة في تاريخ محافظة مطروح، عمل في مطروح طوال سنوات حياته وكان رئيس قسم الأشعة بمستشفى مطروح العام.

ولد الدكتور ميخائيل في 3 أكتوبر عام 1935 بمحافظة قنا، ونشأ بها ثم حصل على الثانوية العامة بتفوق، وانتقل هو وأسرته إلى محافظة القاهرة عندما التحق بكلية طب القصر العيني وكان من خريجي دفعة عام 1957.

أفرزت هذه الدفعة الكثير من الأطباء الذين ساهموا بالارتقاء بمهنة الطب ومنهم الدكتور ميخائيل، والدكتور مجدي يعقوب، والدكتور حلمي الحديدي، وزير الصحة السابق، وغيرهم من أطباء وعلماء مصر، وتزوج الدكتور ميخائيل من السيدة ماتلدة توفيق عام 1965 وأنجب منها أربعة أبناء، وهم حسب الترتيب: نارين طبيب بشري بمطروح، وماجد صيدلي يعمل في كندا، وهاني بكالوريوس تجارة، وإيرينى مهندسة كمبيوتر، ولديه أحفاد منهم.

عمل الدكتور ميخائيل طبيبا في مستشفى أحمد ماهر بالقاهرة ثم سافر إعارة للعمل بدولة غينيا، وعمل بها على مدار أربع سنوات متواصلة، واستفاد من هذه الإعارة في إتقان اللغة الفرنسية مما ساعده ذلك على معرفة كل ما هو جديد بالطب، والاطلاع على أحدث الأبحاث العلمية، في مجال الأشعة والطب بشكل عام، فكان محبًا للعلم والقراءة، وتطوير الذات، والبحث عن ما هو جديد مما ينعكس على خدمة المرضى، وعقب ذلك جاء إلى مطروح لقضاء فترة ما بعد التخصص وذلك عام 1963، حيث قام بالكثير من الأعمال والمجهودات البارزة، فهو يعد أول طبيب متخصص في علم الأشعة بمطروح في الوقت الذي كان فيه هذا التخصص من التخصصات النادرة بالمحافظة، ورئيس قسم الأشعة بمستشفى مطروح العام، وساعد علي تطوير هذا القسم بعد أن كان قاصرا علي الأشعات العادية، والصبغات، وأشعة المسالك البولية، وكانت الموجات الصوتية أو المقطعية لم تظهر بعد، وهو أول من أدخل جهاز أشعة إلى عيادته لرفع مستوى الخدمة الطبية للمرضى.

شخصيته

لقد كانت إنسانية الدكتور ميخائيل هي مفتاح شخصيته، التي أورثها أبناءه، بحسن التعامل مع المرضى، والرحمة بهم خاصة الفقراء، وغير القادرين، وكان يؤمن بأن الطب رسالة، وأن الفقير لابد أن يعالج مثل القادر، أخلاقه سبقت مهنته، وهي سر بقائه حتى الآن في أذهان أهالي مطروح، كما لقبه الأهالي بالطبيب الإنسان، وإذا رأى مريضا محتاجا لا يأخذ منه ثمن الكشف، بل على العكس يعطي له أيضا ثمن الدواء، وذلك بالاتفاق مع بعض الصيدليات المجاورة بعدم أخذ ثمن الدواء من أي مريض أو محتاج، كما كان لا يأخذ ثمن الكشف من الذين يعملون معه في المستشفى على سبيل الزمالة والصداقة، يخدم الجميع ويبتسم في وجوه البسطاء، ويشد من أزرهم، ويوجه لهم رسالة طمأنينة.

مكانته

ويعد الدكتور ميخائيل من الأطباء القلة الذين استطاعوا التأقلم مع الطبيعة البدوية، من عادات وتقاليد أبناء البادية، وخلال فترة السبعينيات كان المجتمع المطروحي لا يعترف بسهولة بكشف النساء لدى أطباء رجال ولكن بصدقه وحُسن خلقه، استطاع الدكتور ميخائيل أن يكسب ثقة الناس وأن يتغلب على هذه التقاليد لمصلحة المرضى، ومنذ هذه اللحظة أصبح يتردد على عيادته أغلب العائلات البدوية للكشف والعلاج، وإلى وقتنا الحالي يحتفظ معظم مرضاه بالأوراق والأشعة رغم مرور كل هذه السنوات، ويكمل مسيرته، ويمشى على دربه ابنه الطبيب الدكتور نبيل ميخائيل، الذى يعمل في مجال الأشعة ويخدم غير القادرين.

وفاته

عاش الدكتور ميخائيل مع أهالي مطروح وعرف عاداتهم وتقاليدهم وتزاور معهم في بيوتهم وأحس بفقرهم وداوى مرضاهم وأخلص معهم وأحبهم فأحبوه، ووضعوه مكانا متوجا على عرش قلوبهم، وعندما توفي الدكتور ميخائيل في 17 أغسطس عام 1987 سارت في جنازته مطروح بأكملها ترتدي وشاح الحزن والكآبة، وبكت عليه النساء البدويات كأنه لهن شقيق أو عزيز، ولكن عزاءنا نحن هو إكمال “نجله” الدكتور نبيل ميخائيل لهذا العمل المشرف فهو أيضا من علماء الأشعة والذى يثق فيه جميع أطباء مطروح في مختلف التخصصات، ويوجهون المرضى لإجراء الأشعة لديه، لدقته في العمل، وحسن تعامله مع المرضى، وذلك بشهادة أهالي مطروح، فهذا الشبل من ذاك الأسد.

 

ولا تزال سيرة الدكتور ميخائيل العطرة تملأ مستشفيات وعيادات مطروح، وربوع الصحراء، ويتذكره رموز القبائل وأهالى مطروح من مختلف الطوائف، بكل الخير، رحم الله الطبيب الإنسان الذي لم ينسَ يوما أن مهنة الطب رسالة، واعتبر أن مهنة الطب غاية شريفة ونبيلة وليست وسيلة للعيش على آلام وأوجاع الفقراء.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى