فنون و ادب

موسيقى السرد التنويري..وسيمولوجيا اللغة المشتهاة

حاتم عبدالهادى السيد

 

تحيلنا رواية ” جوارى لليلة واحدة ” ؛ للروائية الشاهقة / داليا محمد رضا إلى عوالم الجمال المتبدى من تدفق السرد الذى يرجو الموضوع؛ وينشد القيم؛ وينزع إلى عوالم شتى عبر غالم يشى بالصراع؛ وبالتواترات التى يبدو فيها الظلم هو المسيطر على عالم القرية؛ بينما العدل ينازع عبر ” المحكمة ” التى أرادها الوالى كميزان يرجو منه العدل؛ بينما الصراع يمور من قبل الفرسان؛ فالكل يريد ان يتحصل إلى غنيمة من تلك الحروب والغزوات والإعارات؛ وهناك من يريد للمحكمة ان تبتعد عن النطق بالعدالة؛ بينما الحاكم يتشرف العدل؛ أو أنه أرغم عليه كذلك؛ لكنه كان ناوعاً – طوال مسروديات الأحداث – إلى تحقق العدل في عالم ملىء بالمشاحنات؛ وفرض مبدأ القوة من قبل الجنود؛ مع وجود الشهودة العادلين تارة؛ والكتآمرون تارة اخرى .

إنه صراع الخير والشر عبر محكمة الواقع؛ وعبر حكايات تمتلأ بها الرواية التى تاخذ من تدافع السرد طريقاً للنزوع نحو النور؛ وإشراق شمس الحرية من جديد .

ولقد جاء العنوان السيمولوجى الشهى ليعبر عن ” معنى إيروتيكى ” لكننا وجدنا يشى بمعنى انسانى للفتى الذى أراد أن يبيت لليلة واحدة بالقرب من دفئها؛ وصدرها الحنون الذى أحس فيه رائحة الأم التى فقدها؛ فأصبح لصاً ؛ وهو طقل ؛ بينما الحداد يريد ان يعلمه مهنة؛ ليبعده عن السرقة كذلك .

وياتى السرد الأسطورى – الذى يشبه الروايات الغربية الأوروبية- عبر معارك الفرسان للفوز بفتيات النور؛ أو بالجميلات بعد حروب وعراك ممتد؛ ولكن الفتاة؛ وغيرهن لهن قصص مغايرة؛ وعبر مسيرة السرد وجدناهن يحكين ما تعرضن له من قسوة على يد الجنود؛ ومن مساعدة على أيادى هؤلاء الذين اتسموا بالشفقة والرحمة؛ رغم فقرهم المدقع؛ فالحداد الذى أخذ الفرسان الأسلحة التى قام بصنعها؛ وأعطوه بدلاً منها الفتاة وقف مذهولاً لهذا الظلم من قبل الحاكم؛ او القاضى – غير العادل – ولما هم ببيع الجارية وجد فيها انسانية شديدة؛ فأحبها؛ بل ودافع عنها حتى الرمق الخير؛ ولما جاء الجنود واقتادوه متهمين له بخطفها؛ وجدناها تنبرى لتدافع عمن أسدى لها كل المعروف؛ : ” وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ” .

وتتوالى الحكايات الكثيرة؛ وتتعدد الشخصيات؛ وتتباين المواقف والرؤى لتؤكد جدية الحياة؛ وصراع الطبقات؛ بل وصراع القوة ضد الفقراء؛ وصراع الطبقية ضد الغلابة البسطاء كذلك .

ولقد رأينا الكاتبة تتميز بمهارة شديدة عبر السرد؛ إلى جانب طول نفس ممتد؛ وعمق للوصف؛ مع لغة تطاوعها حيناً ؛ وتجندلها كثيراً ؛ لكنها تقترب من تعبيرية الحكاية؛ أو الحدوتة ؛ عبر سيمترية الرواية الضخكة التى تبلغ صفحاتها المئات ؛ وتترى فيها الأحداث كأنها تجكى تاريخاً طويلاً لفرسان دربوا على القتال؛ او أنهم تعودوا على ذلك في مجتمع تتنازعه الفضيلة ضد الرذيلة؛ والرحمة ضد القسوة؛ والفقر ضد الغنى والطبقية؛ ولقد جسدت كل ذلك بمهارة – على قدر استطاعتها – لكنها عبر سيمياء سرد أثير استطاعت ان تقدم حدوتة روائية؛ أو حكاية جميلة – كقلبها النازع للحب والحرية – وتلك – لعممرى – خصيصات تحسب لها؛ وللسرد الروائى الذى لا يتحرى ايجازاً ؛ ولا يعبأ بزوائد لغوية؛ بل وبمشموليات قد لا يحتاجها السرد من حذف لكثير من العبارات؛ لكن السرد لديها خرج فطرياً – من القلب – ووصل إلينا ليخش في القلب؛ رغم كل نمازعات اللغة؛ وتخاتلات المعنى؛ لكنه سرد فطرى بإمتياز؛ وكان يحتاج من الكاتبة أن تعيد الحذف والإيجاز والتكثيف لكنها : ” ” هكذا كتبتها؛ وهكذا رأت؛ وهكذا دفعت بها إلى المطبعة ” . ومع كل ما أسلفناه جاءت الحدونة ماتعة؛ وكأننا أمام أدب أوروبى عالمىح حيث مسميات الشخصيات أجنبية؛ وحيث لا تجد زماناً او مكاناً محدين؛ وكانها أرادت عدم قصر الحكاية بزمن؛ أو مكان لتجعلنا نتسائل عن ماهية الموضوع المسرود؛ والحدث؛ دون اعتبارية للزمكانية بالمرة؛ وهذا أمر يحسب للرواية .

ومع أن الراوى – هنا – لا يتعب بالمرة في وصف الشخصيات والأحداث؛ إلا ان موضوعة الحكى قد أكستنا افتراضية بانها يمكن لها ان تكتب ” حكايات مثيرة للأطفال ” – كذلك – لما لسردها الجميل من فطرة وعفوية وانهمار كنهر ؛ وهى خصيصات قد لا تتوافر لكاتبات في عمرها؛ لكنها انتصرت هنا بالفطرة للسرد الماتع؛ وللعنوان الجميل الإيروتيكى ” جوارى لليلة واحدة ” ؛ وهو عنوان ” تجارى ” مثير للقارىء منذ البداية؛ ويشير إلى فتح شهية القراء لرؤية المشاهد الماتعة الحميمة؛ لكنها لم تفعل ذلك ؛ لتخاتل القارىء بقضاء متعة ما؛ فإذا هو أمام قضية كبرى تطرحها الرواية نحو صراع الخير والشرق؛ والظلم وانتظار شمس الحرية لتسطع على العالم والحياة .

إننى اود أن أثمن ما تكتبه الروائية الجميلة / داليا محمد رضا ؛ وأتمنى أن نقرأ لها في المستقبل روايات مبهرة؛ اكثر تكثيفاً وعمقاً ؛ وأكثر جمالية؛ لكننا نثمن – هنا – انسانية السرد الجميل؛ ونوعها إلى القيم التى تسعى لتحقيق الفضيلة؛ حيث المدينة الفاضلة التى تنشدها؛ والتى غلفتها بقصص الحب الماتعة؛ وحكايات الجنود؛ وانتصار الحب على الكراهية؛ واشراق شمس الحرية رغم كل الصعاب والمتعب ,

إننا أمام فطرة جميلة؛ وروح وثابة لحكايات يمكن أن تشهد تمايزاً في المستقبل القريب؛ لكنها رواية جميلة عبر فطرة سرد مشرق نبيل ؛ وجميل أيضاً .

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى