براقش: جوهرة التاريخ اليمني التي صمدت عبر العصور
تعد براقش من أقدم المدن اليمنية والمواقع الأثرية البارزة. إذ تقع في وادي الفرضة على يسار الطريق الذي يربط بين صنعاء ومأرب مرورًا بوادي الجوف. كما اشتهرت المدينة قديمًا باسم “هجرن- يثل” أو “مدينة يثل”، وفقًا للنقوش اليمنية القديمة المكتشفة في أنقاضها. ومع ذلك، لم يذكرها الهمداني باسمها القديم، وإنما أطلق عليها اسم براقش، وهو الاسم الذي بقي متداولًا حتى يومنا هذا. تشير الروايات إلى قصة شائعة تفسر المثل “دلَّت على أهلها براقش”، حيث يُقال إن براقش كانت كلبة نباحها كشف موقع بئر سري خارج المدينة للعدو المحاصر، مما أدى إلى فتح الحصن.
تاريخ براقش
كما تكشف النقوش الأثرية أن براقش كانت مزدهرة خلال القرن الخامس قبل الميلاد. بفضل مكانتها الدينية البارزة التي جذبت الحجاج إلى معابدها المتعددة. وقد ساهمت هذه المكانة في دعم الثورة المعينية ضد دولة سبأ، مما أسفر عن تأسيس الدولة المعينية التي اتخذت من قرنو عاصمة لها. كما سيطرت هذه الدولة على طريق اللُّبان التجاري الذي كان شريانًا حيويًا للاقتصاد القديم. ورغم ازدهارها، واجهت المدينة نهايتها المأساوية في أواخر القرن الأول قبل الميلاد على يد الحملة الرومانية التي دمرت مدن الجوف قبل أن تصل إلى مأرب وتفشل في اقتحامها.
وفي هذا السياق قال أستاذ التاريخ محمد عبدالعاطي، أن براقش لاتزال تحتفظ بالكثير من آثارها، خاصة سورها المنيع وأبراجه التي يتجاوز عددها خمسين برجًا. وعلى الرغم من تعرض معظم مباني المدينة للهدم منذ سقوط الدولة المعينية في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد. ثم بفعل الحملة الرومانية، إلا أن السور صمد أمام عوامل الزمن. لم تؤثر فيه إعادة استخدام أنقاض المباني القديمة خلال العصر الإسلامي. عندما أصبحت المدينة مسكنًا للزعيم عبد الله بن حمزة الذي تحصن فيها ضد غارات ولاة الدولة الأيوبية قبل أن يشيد حصن ظفار الظاهر المعروف بظفار ذيبين.
كما استمرت براقش خلال العصر العباسي إلى جانب دورها التجاري البارز قبل الميلاد كإحدى المحطات المهمة على طريق اللبان، كمحطة استراتيجية على طريق القوافل التجارية بين اليمن والبصرة. وفي العصر الحديث. تزامن إنشاء طريق الجوف عام 1989 مع بداية أعمال التنقيب والمسح الأثري في المدينة. مما ساهم في تسليط الضوء على مكانتها التاريخية. كما تعد المدينة من أشهر المواقع الأثرية التي تجذب السياح إلى الجمهورية اليمنية.