تاريخ ومزارات
شجر الدر.. الملكة التي دقت على دفوف المحروسة ولقيت حتفها بـ “القباقيب”
أسماء صبحي
شجر الدرّ (أو شجرة الدّر) الملقبة بـ “عصمة الدين أم خليل”، تركية الأصل، وقيل أنها أرمينية، كانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ابنها خليل.
وفي ليلة النصف من شعبان سنة 647هـ توفى السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وكانت القوات الصليبية تزحف نحو الجنوب على شاطئ النيل الشرقي لفرع دمياط للإجهاز على القوات المصرية الرابضه في المنصورة، وكانت إذاعة خبر موت السلطان في هذا الوقت الحرج كفيلة بأن تضعف معنويات الجند وتؤثر في سير المعركة.
موقف بطولي
فقررت زوجته شجر الدرّ أن تقدم المصالح العليا للبلاد على أحزانها، مدركة خطورة الموقف العصيب، فأخفت على الناس خبر موته، وأمرت بحمل جثته سرًا في سفينة إلى قلعة الروضة بالقاهرة، وأمرت الأطباء أن يدخلوا كل يوم إلى حجرة السلطان كعادتهم، وكانت تدخل الأدوية والطعام إلى غرفته كما لو كان حيًا، وأستمرت الأوراق الرسمية تخرج كل يوم وعليها علامة السلطان.
وتولت شجر الدر ترتيب أمور الدولة، وإدارة شئون الجيش في ميدان القتال، وعهدت للأمير فخر الدين بقيادة الجيش، وفي الوقت نفسه أرسلت إلى توران شاه ابن الصالح أيوب تحثه على القدوم ومغادرة حصن كيفا إلى مصر، ليتولى السلطنة بعد أبيه.
وخلال الفترة بين موت السلطان الصالح أيوب، ومجيء ابنه توران شاه في 23 ذي القعدة 648هـ (27 فبراير 1250م)، وهي فترة تزيد عن ثلاثة أشهر، نجحت شجر الدر بمهارة فائقة أن تمسك بزمام الأمور وتقود دفة البلاد وسط الأمواج المتلاطمة التي كادت تعصف بها، ونجح الجيش المصري في رد العدوان الصليبي وإلحاق خسائر فادحة بالصليبيين، وحفظت السلطنة حتى تسلمها توران شاه الذي قاد البلاد إلى النصر.
الهجرة إلى القدس
بعد النصر تنكر السلطان الجديد لشجر الدر، وبدلاً من أن يحفظ لها جميلها بعث يهددها ويطالبها بمال أبيه، فلما اشتد عليها، انتقلت إلى القدس خوفًا من غدر السلطان وانتقامه.
ولم يكتف توران شاه بذلك بل أمتد حنقه وغيضه ليشمل أمراء المماليك، أصحاب الفضل الأول في تحقيق النصر العظيم وإلحاق الهزيمة بالحملة الصليبية السابعة، وبدأ يفكر في التخلص منهم غير أنهم كانوا أسبق منه في الحركة وأسرع منه في الإعداد فتخلصوا منه بالقتل على يد أقطاي.
تولي عرش مصر
وتولت شجر الدر عرش مصر لمدة ثمانين يوماً بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة ونقشت اسمها على النقود بالعبارة الآتية : “المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين”.
وأحكمت شجر الدر إدارة شؤون البلاد، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد وإدارة مفاوضات مع الملك لويس التاسع الذي كان أسيرًا بالمنصورة التى انتهت بتسليمه دمياط وإخلاء سبيله وسبيل من معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثمانمائة ألف دينار، يدفع نصفها قبل رحيله والباقي بعد وصوله إلى عكا مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل البلاد الإسلامية مرة أخرى.
زواج شجر الدر
وتزوجت شجر الدر من عز الدين أيبك اتابك العسكر التركماني، وما لبثت تنازلت له عن العرش بسبب معارضة شديدة من العلماء والخليفة العباسى المستعصم، ولكنها ظلت تشاركه الرأى والمشورة وإدارة شئون البلاد، فخضع لسيطرتها وأرغمته على هجر زوجته الأولى أمّ ولده علي وحرّمت عليه زيارتها هي وابنها.
وانقلب عليها أيبك بعدما أحكم قبضته على الحكم في البلاد، وتخلص من منافسيه في الداخل والخارج وبدأ في اتخاذ خطوات للزواج من ابنة “بدر الدين لؤلؤ” صاحب الموصل.
مقتل شجر الدر
غضبت شجر الدر لذلك وأسرعت في تدبير مؤامرتها للتخلص منه بعد أن استدرجته للقلعة حيث لقي حتفه هناك في 23 ربيع الأول 655 هـ (1257م)، وأشاعت شجر الدرّ أن المعزّ لدين الله أيبك قد مات فجأة ليلاً.
لم يصدقها مماليك أيبك وقبضوا عليها وحملوها إلى امرأة عز الدين أيبك التي أمرت جواريها بقتلها بعد أيام قليلة، فقاموا بضربها بالقباقيب على رأسها وألقوا بها من فوق سور القلعة، ولم تدفن إلا بعد عدة أيام.