كتابنا

الدكتور ناصر الجندي يكتب:رسالة السماء

وحدة الهدف بين تعاليم النبي محمد و المسيح عليهما السلام

الخبير التربوي الدكتور ناصر الجندي يكتب:رسالة السماء: وحدة الهدف بين تعاليم النبي محمد و المسيح عليهما السلام

 

 

 

على مر العصور، أرسل الله أنبياءه لإرشاد البشرية نحو الهداية، وغرس قيم المحبة، العدل، والسلام. تبرز تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم والسيد المسيح عليه السلام بوصفهما نموذجين مؤثرين لهذه الرسائل السماوية. ورغم اختلاف الأزمان والسياقات التاريخية، إلا أن الرسالتين تتحدان في الغايات النهائية: عبادة الله الواحد، ونشر المحبة بين البشر، وإقامة مجتمع عادل.

في هذا المقال، سنتعمق في دراسة المشتركات بين تعاليم النبي محمد والمسيح عليهما السلام، مع استعراض واسع للأدلة من الكتب المقدسة.

 

*الرسالة السماوية: وحدة الغاية والهدف*

*1. الدعوة إلى التوحيد*

كان التوحيد هو الرسالة الأسمى التي جاء بها الأنبياء جميعًا. جاء في الإنجيل: “الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك” (مرقس 12:29-30).

وبالمثل، أكدت رسالة النبي محمد على التوحيد كغاية رئيسية، كما في قوله تعالى: “قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد” (القرآن الكريم، الإخلاص: 1-4).

*2. نشر المحبة والتسامح*

تُعتبر المحبة والتسامح محورين رئيسيين في رسالة المسيح، حيث قال: “سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم” (متى 5:43-44).

في السياق نفسه، دعا النبي محمد إلى التسامح والمحبة، كما ورد في الحديث الشريف: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (رواه البخاري، حديث رقم 13).

*3. إصلاح المجتمعات بالعدل*

دعا السيد المسيح إلى تحقيق العدل الاجتماعي وإقامة المساواة، كما في قوله: “طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبَعون” (متى 5:6).

أما النبي محمد، فقد جعل العدالة الاجتماعية جزءًا لا يتجزأ من رسالته، حيث قال تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى” (النحل: 90).

 

*المنهجية المتبعة في الرسالتين*

*1. التعليم من خلال القدوة العملية*

كان السيد المسيح يُعلّم من خلال أفعاله. فعلى سبيل المثال، غسل أقدام تلاميذه تعبيرًا عن التواضع والخدمة: “إن كنتُ أنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض” (يوحنا 13:14).

النبي محمد أيضًا كان قدوة عملية، حيث وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: “كان خلقه القرآن” (رواه مسلم، حديث رقم 746). هذا التوافق بين النبيين يُبرز أهمية التطبيق العملي للأخلاق في التأثير على الآخرين.

*2. استخدام الأمثال والقصص*

استعمل السيد المسيح الأمثال لتوضيح تعاليمه، مثل مثل “الزارع” الذي يرمز إلى قبول كلمة الله (متى 13:3-9).

بينما استخدم النبي محمد القصص القرآنية لنقل المعاني بطرق بسيطة وعميقة، مثل قصة نوح التي تُبرز الصبر في الدعوة إلى الله (هود: 25-49).

*3. التوازن بين الروحانية والتنظيم العملي*

ركز المسيح على القيم الروحية مثل المحبة والإيمان، كما قال: “الله روح، والذين يسجدون له ينبغي أن يسجدوا بالروح والحق” (يوحنا 4:24).

في المقابل، جمع النبي محمد بين الروحانية والتنظيم العملي لشؤون الحياة، حيث قال تعالى: “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون” (النور: 56).

 

*الاختلاف في السياق والتكامل في الغاية*

*1. السياقات الاجتماعية والتاريخية*

كانت رسالة المسيح موجهة إلى بني إسرائيل، مجتمع يتمسك بالشريعة الموسوية. لذا جاءت رسالته تصحيحية، كما قال: “ما جئت لأنقض بل لأكمل” (متى 5:17).

أما النبي محمد، فقد أُرسل إلى مجتمع وثني بعيد عن التعاليم السماوية، فكانت رسالته تأسيسية شاملة، كما ورد في قوله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا” (المائدة: 3).

*2. تنوع أساليب التأثير*

ركزت رسالة المسيح على التأثير العاطفي والروحي، بينما كانت رسالة النبي محمد شاملة تشمل الروحانية والتشريعات العملية في كافة مجالات الحياة (Esposito, 2002).

 

*القيم المشتركة وأثرها المستمر*

*1. الأخوة الإنسانية*

تعاليم السيد المسيح والنبي محمد عليهما السلام تؤكد على وحدة الجنس البشري. قال المسيح: “وصية جديدة أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم أنا” (يوحنا 13:34).

وقال النبي محمد: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه” (رواه البخاري، حديث رقم 2442).

*2. السلام الداخلي والخارجي*

قال المسيح: “سلامي أترك لكم. سلامي أعطيكم” (يوحنا 14:27)، وهي دعوة إلى السلام الروحي.

بينما جعل النبي محمد السلام تحية المسلمين اليومية: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته” (رواه مسلم، حديث رقم 2162).

*3. التواضع والخدمة*

عبر السيد المسيح عن أهمية التواضع بقوله: “من أراد أن يكون أولاً فليكن آخر الكل وخادمًا للكل” (مرقس 9:35).

وأكد النبي محمد على ذات المبدأ بقوله: “سيد القوم خادمهم” (رواه أبو داود، حديث رقم 2858).

 

*دروس مستفادة*

*1. التكامل بين الرسالتين*

تمثل رسالتا النبي محمد والسيد المسيح نموذجًا متكاملاً يمكن للبشرية أن تستفيد منه لتعزيز القيم الإنسانية.

*2. العودة إلى القيم الأصلية*

تؤكد الرسالتان على الحاجة إلى التمسك بالقيم الأخلاقية لبناء مجتمعات مستقرة.

*3. الحوار بين الأديان*

القيم المشتركة بين الرسالتين توفر أساسًا للحوار والتفاهم بين الأديان المختلفة.

تُظهر دراسة تعاليم النبي محمد والسيد المسيح عليهما السلام أنهما جاءا برسالتين تنبعان من مشكاة واحدة. ورغم اختلاف الأساليب والسياقات التاريخية، فإن جوهر الرسالتين واحد: الدعوة إلى عبادة الله، ونشر المحبة والتسامح، وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذا الترابط يشير إلى وحدة المصدر الإلهي، ويدعو البشرية إلى تجاوز الاختلافات والعمل معًا من أجل تحقيق السلام والعدل في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى