قصة إبراهيم شاهين وانشراح موسى والسقوط في بئر سبع
أسماء صبحي
قصة إبراهيم شاهين وانشراح موسى تم تجسيدها في مسلسل السقوط في بئر سبع. إلا أن الحبكة الدرامية غيرت الكثير من وقائع المسلسل.
قصة إبراهيم شاهين وانشراح موسى
وتبدأ القصة بعد نكسة عام1967 واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء. فهناك في مدينة العريش كان يقيم “إبراهيم شاهين” والذي كان فلسطينيًا يقيم في مصر ويعمل محاسبًا في مديرية العمل بالعريش. وكان قد تزوج من “انشراح موسى” من مواليد مدينة المنيا بصعيد مصر. ثم رزقا بمولودهما الأول نبيل عام 1955، ومن بعده محمد عام 1956، ثم عادل عام 1958م.
في عام 1963م اتفقا على إرسال الأولاد إلى عمهم في القاهرة، ليواصلوا دراستهم هناك. ويبتعدوا عن الحياة البدوية التي يتسم بها المجتمع العريشي. وبعد ثلاث سنوات وتحديدًا عام 1966 ضُبط إبراهيم يتلقى رشوة، فأحيل إلى المحاكمة وسجن ثلاثة أشهر.
جاءت نكسة يونيو 1967، وسدت الطرق أمام سفر إبراهيم وزوجته إلى القاهرة. وأصبح إبراهيم عاجزاً عن شراء أبسط الأمور الضرورية للمعيشة.
وضعت سلطات الاحتلال قيودًا على حركة التنقل. ومنعت السفر من مدينة إلى أخرى إلا بتصريح من الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء.
واندفع إبراهيم شاهين تجاه مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي يطلب منه تصريحا له ولزوجته بالسفر إلى القاهرة. وظل أيامًا عدة يتردد على مكتب الحاكم العسكري وهم يماطلونه في استخراج تصريح السفر إلى القاهرة.
مرت أيام وإبراهيم يذهب كل يوم إلى الظابط الاسرائيلى أبو نعيم بمكتب الحاكم العسكري لكى يسمح له بالسفر للقاهرة. لكن لم ير أية بادرة أمل في إمكان سفرهما وفقد إبراهيم تقريبًا الأمل في السفر.
خيانة الوطن
وذات صباح فوجئ إبراهيم بمن يستدعيه إلى مكتب أبو نعيم. ولما ذهب إليه أخبره بأن الحاكم العسكري وافق على منحه تصريح السفر هو وزوجته. لكن الضابط أكمل كلامه قائلا: “جاءت موافقة الحاكم العسكري مشروطة هو أن تأتيه بأسعار الفاكهة والخضار في القاهرة. والحالة الاقتصادية للبلد بواسطة أخيك الذي يعمل بالاستيراد والتصدير”.
ثم أخذ الأمر يتطوّر بعد أن أثبت إبراهيم قدرته على الخيانة لأبعد الحدود. حتى أنه نجح في تجنيد زوجته إنشراح للعمل معه.
وحتى تتأكد إسرائيل من ولائه التام لها طلبت من إبراهيم وزوجته السفر إلى بئر سبع بجوازي سفر إسرائيليين باسم “موسى عمر” وزوجته “دينا عمر”. ليتمّ عرضهما لاختبار جهاز كشف الكذب، والذي نجحا فيه بجدارة. فما كان من الإسرائيليين إلا أن قاموا بإعطائهما دورات تدريبية متقدّمة في أعمال التصوير؛ لتصوير المنشآت والأسلحة العسكرية المصرية.
وعاد “إبراهيم” و”انشراح” إلى مصر و”إبراهيم” يحمل رتبة مقدّم في جيش الدفاع الإسرائيلي. وزوجته رتبة ملازم أول، مع زيادة أجرهما الشهري إلى ما يعادل 300 دولار، كمكافأة لهما وتجنيدهما جميع أولادهما للعمل لصالح إسرائيل.
فشل ذريع
ومع وعد من المخابرات الإسرائيلية بمبلغ مليون دولار كمكافأة في حالة توقّعهما لميعاد الحرب. كان كل المطلوب منهما في هذه الحالة هو رسالة شفرية من كلمتين “يوم ……”. إلا أنه وعلى الرغم من كفاءتهما حققا فشلًا ذريعًا في التنبؤ بميعاد الحرب.
وفي بداية عام 1974 سافر “إبراهيم” إلى تل أبيب، وحضر اجتماعًا خاصًا على مستوى عالٍ مع قيادات المخابرات الإسرائيلية الجديدة. بعد أن أطاحت حرب أكتوبر بالقيادات السابقة.
خضع “إبراهيم” للاستجواب حول عدم تمكّنه من معرفة ميعاد الحرب، وأجاب “إبراهيم” بأنه لم يلحظ شيئا غير عادي. وأنه حتى لو كان يعلم بالميعاد فليس لديه أجهزة حديثة لإرسال مثل تلك المعلومات المهمة. فقررت المخابرات الإسرائيلية تطوير إمكانيات عميلها. من خلال منحه جهاز إرسال متطوّر ثمنه 200 ألف دولار، وهو أحدث جهاز إرسال في العالم.
وخشية تعرض “إبراهيم” للكشف أثناء دخوله بالجهاز إلى مصر. وقامت المخابرات الإسرائيلية بإيصال الجهاز المتطوّر بنفسها إلى مصر. كما قامت زوجته بالحصول على الجهاز من المكان المتّفق عليه.
وببمجرد وصول “إبراهيم” إلى القاهرة أعدا رسالة تجريبية، ولكنهما اكتشفا عطلا في مفتاح الجهاز. وبعد فشل “إبراهيم” في إصلاحه توجّهت “إنشراح” إلى تلّ أبيب؛ للحصول على مفتاح جديد.
لم يدرْ بخلد الجاسوسين أن المخابرات المصرية التقــطت رسالة لهما عبر جهاز روسي حديث يسمى “صائد الموجات”. وذلك أثناء تجربتهما للجهاز الجديد. وتمّ وضع منزل “إبراهيم” تحت المراقبة.
اعتقال إبراهيم شاهين
تمّ اعتقال “إبراهيم” صباح 5 أغسطس 1974 مع ولديه، وتمّ إلقاء القبض على “إنشراح” بمجرد وصولها من تل أبيب. حيث استقبلتها المخابرات المصرية، وزجّ بهم جميعا إلى السجن.
وكانت المخابرات الإسرائيلية قد بثّت رسائل بعد عودة “إنشراح” من إسرائيل. واستقبلها رجال المخابرات المصرية على الجهاز الإسرائيلي بعد أن ركّبوا المفاتيح، ووصل الردّ من مصر. “إن المقدّم إبراهيم شاهين، والملازم أول إنشراح سقطا في أيدينا. ونشكركم على إرسال المفاتيح الخاصة بالجهاز. كنا في انتظار وصولها منذ تسلّم إبراهيم جهازكم المتطور. تحياتنا إلى السيد “إيلي زئيرا” مدير مخابراتكم”.
أصدرت المحكمة حكمها بإعدام “إبراهيم” و”إنشراح”، بينما حكم على ابنهما الأكبر “نبيل” بالأشغال الشاقة. وأودع الولدان “محمد” و”عادل” بإصلاحية الأحداث؛ نظرا لصغر سنهما، ونفّذ حكم الإعدام في “إبراهيم شاهين” شنقا. بينما تمّ الإفراج عن “إنشراح” وابنها بعد ثلاث سنوات من السجن في عملية تبادل للأسرى مع بعض أبطال حرب أكتوبر.
ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت عام 1989 موضوعا عن “إنشراح” وأولادها. قالت فيه: “وفي إسرائيل تهودت “انشراح “وأبناؤها الثلاثة وإن (دينا بن دافييد) تقيم الآن مع اثنين من أبنائها بوسط إسرائيل،. وهما “محمد” و”عادل” بعد أن اتخذت لهما اسمين عبريين هي “حاييم” و”رافي”، أما الابن الأكبر “نبيل” فقد غيّر اسمه إلى “يوشي””.
وتقول الصحيفة إن “دينا” تعمل عاملة في دورة مياه للسيدات في مدينة حيفا بينما يعمل ابنها “حاييم” كحارس ليلي بأحد المصانع. أما الابن الأكبر فلم يحتمل الحياة في إسرائيل. وهاجر هو وزوجته اليهودية إلى كندا؛ حيث يعمل هو وزوجته بمحلّ لغسل وتنظيف الملابس. وربما لم تتوقّع كل هذه الأسرة أن تنتهي الأمور إلى دورة مياه سيدات. وغيرها من تلك الأعمال المهينة داخل إسرائيل.