“بلغنجا”.. طقوس مغربية لتجاوز محنة الجفاف وجلب الأمطار
أميرة جادو
تعتبر “بلغنجا”، أو “تاغنجة”، إحدى الطقوس المشهورة التي يقوم بها القرويون كلما انقطع المطر، وتتم في جو احتفالي اجتماعي يمزج بين الفرجة والجدية في الجانب المتعلق باستعطاف ودعوة رب السماوات أن يرسل السماء عليهم مدرارا، وتكون النساء والأطفال الفاعل الرئيسي في الإعداد لهذا الطقس وتنزيله على أرض الواقع، علاوة إلى صلاة الاستسقاء التي تؤدى بإذن من السلطات الرسمية.
يتسبب قلة سقوط الأمطار في حاجة السكان المتزايدة إلى الماء، خاصة الفلاحين، لذا يلجأ أهالي القرى والبوادي في التفكير في طقوس المطر، وتعني طلب المطر من الله، فانتشرت هذه الطقوس والعادات بشكل كبير، ومنها “بلغنجا” الذي يمارس في كل المناطق المغربية، سواء الناطقة بالأمازيغية أو ذات اللسان العربي، مع بعض الاختلافات الطفيفة التي لا تمس الجوهر.
و”بلغنجا” من طقوس الاستمطار وطقس اجتماعي مشهور، يتم ممارسة هذه الطقس بمغرفة (أغنجا) مكسوة بزي عروس، في موكب تشارك فيه النساء والأطفال، الذين يرددون أهازيج والأدعية، ويطوفون عبر الدواوير والقرى، ويتم تحصيل العطايا والصدقات من الأهالي وتخصص لتهيئة مأدبة “معروف”، يأكل منها الصغير والكبير وتنتهي بالدعاء إلى الله أن يرحم عباده ويسقي بهيمته ويحيي الأرض بعد موتها.
طريقة ممارسة الطقوس
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور خالد ألعيوض، خبير التراث، إن “بلغنجا، أو تغنجا، يعد من الطقوس التي تشهدها البادية المغربية كلما انحبس المطر، ومعروف أن هذه الطقوس تعود إلى ما قبل الإسلام، والغريب أنها استطاعت أن تصمد وتستمر لعهود طويلة؛ إذ انتشرت في عدد من البوادي والقرى المغربية إلى حدود الثمانينات من القرن الماضي، ومازالت حاضرة في بعض المناطق إلى اليوم”.
أما عن طريقة ممارسة هذه الطقوس، قال الخبير: أن “النساء يأخذن المغرفة، أي أغنجا، ثم يلبسنها لباسا نسائيا وتزين على شكل دمية كبيرة أو عروس تجوب بها النساء القرية متبوعات بالأطفال مرددين أغان أو أهازيج وأدعية لاستدرار المطر، وغالبا ما يقوم الأطفال بإفراغ الماء ورشه على النساء، حيث يرجعن وهن مبللات”.
وتابع الخبير: “هو طقس احتفالي ينطوي على كثير من الفرجة بين الأطفال والنساء وينتهي دائما بإحياء حفلة صغيرة، وإلى جانبه هناك طبعا صلاة الاستسقاء بالطريقة المعروفة، حيث نجد هنا نوعا من التعايش بين نمطين، النمط الإسلامي المرتبط بصلاة الاستسقاء كلما جف الضرع ويبس الزرع وانحبس المطر، وهذا النمط من الطقوس التي بقيت حاضرة في مناطق منعزلة كالجبال وبعض الواحات”.
وختم الخبير، بالتأكيد على وجود عدد من الطقوس التي لها ارتباط بالجانب الفلاحي واستدرار المطر وطلب الغيث من الله؛ فهو “جانب ميثولوجي مرتبط بالطقوس، بعضها عريق ومازالت مستمرة وإن كان معظمها اليوم قد انقرض نتيجة التحولات التي تعرفها البادية المغربية، فهذه الأمور ينظر إليها من الجانب الأنثربولوجي والدراسي وليس من جانب المعتقد، وهي تدخل أيضا ضمن ذهنيات المجتمعات؛ إذ كلما كانت عريقة كثر فيها مثل هذه النماذج والأشكال التعبيرية والفرجوية”.