مفاخر النصر..سائق الأورال .. زغرودة فرح في بيت شهيد
دعاء رحيل
ألقت طائرة سكاي هوك قنبلة على سيارة أورال تقطر خلفها “رادار”. كان ذلك على طريق السويس بالقرب من عويبد، طارت شظية بحجم الطبق، شقت الإطار الأمامي للناقلة، كان الطريق مرتفعا عن جوانبه التي تشبه منحدر سيول .
حاول السائق إيقاف الناقلة الثقيلة وفشل، لتنقلب السيارة بالرادار عدة مرات، وخلف الأورال بمسافة، زملاء من لواء الصواريخ ١١٧ في مهمة وكان يقود سيارتهم الأومباشي علي مصطفى، لمحوا ما جرى وتوقفوا تماما بجوار الأورال، ونزل السائق ومعه ملازم أول احتياط.
كان سائق الأورال وحده في الكابينة، كان شهيدا رحمه الله، وطبقا للتعليمات والأوامر انتزعوا برفق من رقبته السلسلة المعدنية المسجل فيها رقم المقاتل، ووجدوا في جيبه محفظة صغيرة بها كارنيه ونقود (وخطاب وارد عليه عنوان الراسل …) .
قبل تسليم متعلقات الشهيد لأقرب نقطة شرطة عسكرية مع بيان حالته كتب السائق اسم عنوان الشهيد …
وهنا وقفه.. لماذا؟..
وقتها وبعد اجتياح خط بارليف كان هناك رجال من الجنود عملهم غير قتالي مثل كتائب النقل وسائقيها وجنودها، فقد كانوا شعلة حركة على الطرقات والمدقات في طول وعرض الجبهة، ومثلهم كان رجال الإشارة والإمداد والتموين وفناطيس الوقود، وهؤلاء الشباب كان يصعب التعرف على أماكن وجودهم لأنهم دائمو التحركات، فهم مثلهم مثل من ماتوا في حفر قناة السويس، حيث كان يظهر أثناء الحفر قبور أبطال كان حظهم أقل، لأنه يصادف عدم تواجد أحد بالقرب منهم ليفعل ما فعل الرجال موضوع المنشور، وكان تمامهم في دفاتر الأوامر يصبح (مفقود) ومفقود صفة صعبة لأسرة المفقود، فهي ربما كانت لشهيد لم تُعرف له حفرة .
وبعد الحرب جاء أوان العزاء، والحزن المؤجل، ثلاثة من وحدته وزملائه توجهوا إلى بيت الأسرة ومعهم علي مصطفى، خلف باب البيت المغلق وصلت أنوفهم رائحة البخور، وصافح سمعهم صوت القرآن المرتل، وشملتهم سكينة الرضا، برفق ضغطوا على الجرس، فتحت الباب سيدة في الثلاثينات، وجهها مألوف للرجال، قدمت نفسها بعد التحية: أنا خالة الشهيد، صافحت الثلاثة، عانقتهم، قبلت رؤوسهم، فقد كانت الفنانة فطرية الروح السيدة نبيلة السيد.
صمت وحيرة قطعتهما بنت مصر التي أسعدتنا جميعا أياما طويلة، قطعت نبيلة الصمت، وبددت كل مشاعر الأسى والحزن، بزغرودة طويلة، أعقبتها بالكلمة السحرية ( تحيا مصر وولاد مصر).