الرئيس الذي غير وجه الشرق الأوسط.. أسرار حياة أنور السادات من الطفولة حتى الاغتيال

في إحدى القرى الهادئة بمحافظة المنوفية ولد محمد أنور السادات في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1918، حاملاً في قلبه حلمًا كبيرًا يتجاوز حدود القرية التي نشأ فيها، و كانت طفولته بسيطة وبيئته متواضعة، لكن طموحه كان أبعد من كل القيود منذ صغره، أظهر إصرارًا نادرًا على تحقيق ذاته وخدمة وطنه الذي أحبه بصدق، فكان يحمل بداخله روحًا متمردة تبحث عن التغيير.
البدايات العسكرية وبزوغ المقاتل
تخرج السادات في الكلية الحربية عام 1938 برتبة ملازم ثانٍ، لتبدأ رحلته العسكرية من مدينة منقباد في صعيد مصر هناك صقلت التجارب شخصيته وملأت روحه بالعزيمة، ليبدأ طريقًا مليئًا بالتحديات قاده نحو مسيرة استثنائية في التاريخ المصري الحديث.
سنوات السجن وبذور الثورة
كانت أربعينيات القرن الماضي مرحلة مليئة بالعواصف في حياة السادات، ففي السادس من يناير عام 1946 تم اعتقاله بتهمة المشاركة في اغتيال أمين عثمان وزير المالية وقتها، وقضى فترة خلف القضبان في سجن القاهر، ومع عام 1948 جاءت البراءة لتفتح أمامه صفحة جديدة، فعاد إلى صفوف الجيش عام 1950، حاملاً معه دروس الصبر والإصرار، وفي العام التالي انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار الذي كان يخطط لإنهاء الحكم الملكي وإطلاق ثورة تعيد لمصر كرامتها.
صوت الثورة الذي دوى في سماء مصر
في ليلة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 وقف السادات أمام ميكروفون الإذاعة ليعلن بيان الثورة إلى الشعب، ليصبح صوته أول ما سمعه المصريون مع فجر التغيير، وبعد نجاح الثورة، تقلد مناصب متعددة أبرزها رئاسة مجلس الأمة وتحرير جريدة الجمهورية، ثم تولى الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي العالمي، قبل أن يختاره الرئيس جمال عبد الناصر نائبًا له ليصبح أحد أبرز صناع القرار في الدولة.
من نائب إلى رئيس يقود مرحلة التحول
بعد وفاة عبد الناصر في سبتمبر 1970 تولى السادات رئاسة الجمهورية بالإنابة، ثم اختاره الشعب رئيسًا رسميًا في 17 أكتوبر من العام نفسه، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ مصر الحديث، حملت ملامح مختلفة في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية.
العبور العظيم واستعادة الكرامة
كانت حرب أكتوبر المجيدة نقطة التحول الكبرى في مسيرته، ففي السادس من أكتوبر 1973 قاد السادات القوات المسلحة المصرية في معركة العبور، حيث حطمت القوات خط بارليف المنيع واستعادت سيناء الغالية، وبعد النصر التاريخي أعاد السادات في الخامس من يونيو 1975 فتح قناة السويس أمام الملاحة العالمية، وأعلن إنشاء منطقة بورسعيد الحرة، مطلقًا سياسة الانفتاح الاقتصادي التي فتحت آفاقًا جديدة للتنمية وبناء المدن خارج القاهرة.
رحلة السلام والقرار الجريء
لم يتوقف السادات عند حدود الحرب، بل فاجأ العالم بقراره التاريخي في نوفمبر 1977 حين زار القدس في خطوة اعتبرها كثيرون مغامرة شجاعة غيرت وجه الشرق الأوسط، و كانت تلك الزيارة بداية طريق طويل نحو السلام، انتهى بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد التي أنهت سنوات الصراع بين مصر وإسرائيل، ومنحته جائزة نوبل للسلام عام 1978 تقديرًا لشجاعته السياسية ورؤيته المستقبلية، وفي العام نفسه أسس الحزب الوطني الديمقراطي ليكون المنصة السياسية التي تعبر عن توجهاته الإصلاحية.
الكاتب والمفكر الذي روى سيرته بنفسه
لم يكن السادات رجل سياسة فقط، بل كان مفكرًا وكاتبًا يعبر بقلمه عن رؤيته للحياة والوطن، من أبرز مؤلفاته كتاب قصة الثورة كاملة وكتاب البحث عن الذات، حيث كشف فيهما تفاصيل حياته وتجربته مع الثورة والسياسة، مقدمًا للأجيال المقبلة دروسًا في الإصرار والإيمان بالمبدأ.
النهاية المأساوية لإرث خالد
في السادس من أكتوبر عام 1981، وبينما كانت مصر تحتفل بذكرى نصر أكتوبر، امتدت يد الغدر لتنهي حياة الرئيس الذي قادها إلى النصر والسلام، رحل السادات في لحظة درامية أثناء العرض العسكري، لكنه ترك وراءه إرثًا خالدًا من الشجاعة والإيمان بوطنه، وبقي اسمه محفورًا في ذاكرة التاريخ كرمز للقيادة التي جمعت بين القوة والسلام.



