تاريخ ومزارات

المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى.. كنز الحضارة الإسلامية وذاكرة القدس الأبدية

 

المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى.. كنز الحضارة الإسلامية وذاكرة القدس الأبدية

يعد المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى واحدًا من أعرق المتاحف الأثرية في مدينة القدس، إذ يجمع بين عبق التاريخ الإسلامي وروعة الفنون القديمة التي تعكس حضارة امتدت قرونًا، كما تميز المتحف بموقعه الفريد داخل الحرم القدسي الشريف، وبما يحتويه من مقتنيات نادرة جعلته ضمن أهم المتاحف الدينية والتاريخية في العالم الإسلامي.

يعود أصل المتحف إلى العهد الأيوبي، حين كان المكان جزءًا من مدينة مصغرة يقصدها الزوار من شتى أنحاء الأرض، لما كانت تحمله من رمزية دينية وتاريخية.

النشأة والتاريخ

يقع المتحف الإسلامي في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى، وتحديدًا عند الزاوية التي عُرفت لاحقًا بمسجد المغاربة، بعد أن انتقلت ملكيته إلى سكان حارة المغاربة في القدس، تم بناء المتحف الحديث بأمر من المجلس الإسلامي الأعلى عام 1922، وكان مقره آنذاك في الرباط المنصوري قبل أن يُنقل عام 1929 إلى موقعه الحالي في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى، حيث جامع المغاربة التاريخي.

أهمية المتحف ومكانته

يحمل المتحف الإسلامي رسالة ثقافية وروحية، إذ يحتضن مجموعة من التحف النادرة التي أهديت للمسجد الأقصى عبر العصور، إضافة إلى أخرى جرى نقلها من أروقته أثناء عمليات الترميم للحفاظ عليها من التلفـ، كما يضم المتحف قطعًا فنية من الحرم الإبراهيمي في الخليل ومن مواقع أثرية أخرى في فلسطين، مما يجعله شاهدًا على تاريخ طويل من الإبداع الإسلامي.

تعد غالبية المقتنيات ذات صلة مباشرة بتاريخ المسجد الأقصى والقدس، حيث تضم مصاحف فاخرة كانت مخصصة لقراء المسجد، وحشوات خشبية كانت تزيّن سقف الأقصى، وبلاطات خزفية كانت تكسو جدران قبة الصخرة المشرفة.

الوصف المعماري للمتحف

يتألف المتحف الإسلامي من بناء أثري مهيب يحتوي على قاعتين رئيسيتين:

  • القاعة الأولى كانت في الأصل جامع المغاربة، وهو مسجد لأتباع المذهب المالكي، يمتد على طول محور شمالي جنوبي، جدد مدخله في أواخر العهد العثماني عام 1871م بأمر السلطان عبد العزيز، حيث أضيف باب في الجهة الشرقية مقابل المصلى القبلي.
  • القاعة الثانية تمثل جزءًا من مصلى النساء، ويعتقد أنها كانت في الأصل رواقًا فاطميًا أعاد الصليبيون ترميمه لأغراض عسكرية، ثم خصصه الأيوبيون لاحقًا ليكون مصلى للنساء، وتستخدم اليوم القاعة الوسطى منه مكتبة رئيسية للمسجد الأقصى.

كما يضم المتحف الزاوية الفخرية التي تعود للعصر المملوكي، وتُستخدم حاليًا كمقر إداري تابع للمتحف، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها القاضي فخر الدين بن فضل الله، قبل أن تُعرف لاحقًا باسم زاوية أبو السعود.

مقتنيات المتحف الإسلامي.. رحلة عبر عشرة قرون من الفنون الإسلامية

يحتضن المتحف الإسلامي مجموعة ضخمة من التحف الإسلامية التي تمتد عبر نحو عشرة قرون من التاريخ، وتأتي من مناطق متعددة مثل شمال أفريقيا ومصر والشام وتركيا وإيران وشرق آسيا.

من أبرز هذه المقتنيات:

  • المصاحف الشريفة: تضم قاعة العرض مصاحف نادرة مكتوبة بخطوط متنوعة كالكوفي والنسخي والثلث والمغربي والفارسي، منها مصاحف مذهبة ومجلدة بعناية فائقة، ومن أشهرها ربعة ملك المغرب وربعة السلطان سليمان القانوني ومصحف السلطان المملوكي برسباي، إضافة إلى نسخة فريدة يُعتقد أنها من نسخ حفيد الإمام علي بن أبي طالب، وتُعد من أنفس المصاحف في العالم الإسلامي.
  • التحف الخشبية: يحتوي المتحف على نحو 300 قطعة خشبية من عصور إسلامية مختلفة، أبرزها حشوات أموية كانت تغطي سقف الرواق الأوسط للمسجد الأقصى قبل ترميمه عام 1940، وقد نُقشت بزخارف هندسية ونباتية بديعة، بالإضافة إلى قطع من منبر نور الدين زنكي الذي أُحرق عام 1969.
  • الوثائق والمخطوطات: يضم المتحف ألف وثيقة مملوكية من القرن الرابع عشر الميلادي، كتبت معظمها بالعربية وقليل منها بالفارسية، وتعد مرجعًا تاريخيًا نادرًا يوثق الحياة الدينية والإدارية في القدس.
  • النقوش والتيجان: توجد في المتحف مجموعة من اللوحات الرخامية والحجرية تعود إلى فترات مختلفة، نقشت عليها كتابات تؤرخ لترميمات المسجد الأقصى وشواهد القبور القديمة، إضافة إلى تيجان أعمدة استخدمت في بناء الحرم القدسي.
  • الزجاج والقاشاني: رغم محدودية المجموعات الزجاجية، إلا أنها تحمل قيمة فنية عالية وتشمل قوارير ومدامع ومشكاوات من العهدين المملوكي والعثماني، أما مجموعة القاشاني والخزف فهي من أغنى المجموعات، أبرزها بلاطات زخرفت بآيات من سورة يس تعود للعصر العثماني، كانت تزين قبة الصخرة قبل استبدالها منتصف القرن العشرين.

ذاكرة القدس الفنية والتاريخية

يمثل المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى أكثر من مجرد صرح أثري، فهو ذاكرة مفتوحة للقدس تحفظ بين جدرانها تاريخ الفنون الإسلامية، وتشهد على عصور ازدهارها في العمارة والزخرفة والخط العربي، إنه مكان يجمع بين قدسية المكان وروعة التراث، ويظل شاهدًا على عمق الهوية الإسلامية للقدس رغم ما مرّ بها من محن وتغيرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى