وطنيات

ملحمة جبل المر عندما هزم خمسون مقاتلًا جيشًا كاملًا

في قلب سيناء، حيث تتعانق الكثبان الرملية مع الصخور الوعرة، وقف جبل المر شامخًا كقلعة حصينة، يبعد عن قناة السويس اثني عشر كيلومترًا، بطول 8.5 كيلومترات، وارتفاع يقارب 117 مترًا، أطلق عليه العدو اسم جبل الشيطان، لأنه كان نقطة استراتيجية تمركز فيها الجيش الإسرائيلي منذ حرب 1967 وحرب الاستنزاف، ليصب نيرانه على مدينة السويس وبور توفيق.

المهمة المستحيلة

في صباح التاسع من أكتوبر 1973، تلقى العقيد محمد الفاتح كريم، قائد اللواء الثاني مشاة ميكانيكي بالفرقة 19 التابعة للجيش الثالث الميداني، أوامر باقتحام جبل المر والسيطرة عليه، المهمة لم تكن سهلة، فالجبل محاط برمال ناعمة تغوص فيها الأقدام، وتعيق حركة الدبابات والمدرعات، لكن الفاتح وضع خطة دقيقة، تقوم على الهجوم من الجانبين لتطويق العدو كفكي كماشة.

بداية الهجوم

تقدمت الدبابات والمدرعات تحت غطاء المدفعية، بينما أمطر العدو القوات المصرية من أعلى الجبل بوابل من النيران، من صواريخ ومدفعية ورشاشات، وطائرات فانتوم في السماء، ورغم كثافة القصف، تمكنت قوات الدفاع الجوي المصري من إسقاط طائرة معادية، وأسر قائدها.

روح الجندي المصري

واجهت القوات المصرية تحديات قاسية بسبب الرمال الغادرة التي أعاقت التقدم، وسقطت الكتيبة اليمنى في حصار، بينما الكتيبة اليسرى تقدمت بصعوبة تحت النيران الكثيفة، ومع تزايد الخسائر، وقف الفاتح وسط جنوده يهتف الله أكبر، العزة لله، يا شباب مصر تناديكم، فألهبت كلماته حماس الجنود، وأيقظت فيهم روح الإصرار.

سقوط جبل المر

تحت وابل النيران، زحف الجنود خلف قائدهم، ومعهم المقاتلان علي وحسن، حتى تمكن خمسون مقاتلًا فقط من الوصول إلى القمة، ورفع العلم المصري بعد أربع ساعات من القتال العنيف، فهربت دبابات العدو مذعورة، تاركة أسلحتها وحصونها، ليصبح الجبل رمزًا للبطولة والصمود.

مفاجآت فوق القمة

عثر الجنود داخل الجبل على غرف تحت الأرض، مليئة بالأسلحة والمعدات، وحتى الملابس الشخصية للجنود الإسرائيليين، لكن المفاجأة الكبرى كانت في آبار الماء، التي ردمها العدو ظنًا أنها جافة، بينما كانت مصدر حياة أنقذ القوات المصرية، بعد أن تخلصوا بذكاء من القصف الجوي، عبر وضع دبابة معادية مهجورة في مقدمة الجبل، فظن العدو أن قواته عادت للتمركز.

جبل المر بعد النصر

خلال حصار الثغرة، حاول العدو استعادة جبل المر لكنه فشل، وظل الجبل درعًا يحمي الجيش الثالث، ويدعم المقاومة في السويس، بقيادة الشيخ حافظ سلامة، الذي كان يمد الجنود بقطع البسبوسة لتقوية عزيمتهم، وفي النهاية أجبر هذا الصمود العدو على قبول وقف إطلاق النار والانسحاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى