صراع الدم والزعامة.. كيف غير توأم قريش مجرى التاريخ؟
في مطلع القرن السادس الميلادي، أنجبت زوجة عبد مناف بن قصي اثنين من أعمدة قريش، هاشم وعبد شمس، داخل بيت قاد القبيلة وسط مكة نحو المجد والسلطة، حيث تميز الشقيقان منذ ولادتهما بحضور لافت، وبدأت معهما قصة طويلة من التنافس الذي تجاوز زمنهما وتوارثته الأجيال، فصار نواة لصراعات تاريخية كبرى امتدت من أرض الجزيرة إلى أطراف العالم الإسلامي، وخلفت أثرًا لا يُمحى في التاريخ.
كيف غير توأم قريش مجرى التاريخ؟
بعض الروايات القديمة، مثل ما ورد في كتاب النزاع والتخاصم للمقريزي، وكذلك ما نقله الطبري في تاريخه، تحدّثت عن ولادة التوأم هاشم وعبد شمس وهما ملتصقان، وقام الأب بفصلهما بالسيف، كما أن هذه القصة أثارت تفسيرات رمزية لدى الكثير من المؤرخين، إذ رأى فيها المستشرق هنري لامانس صورة أسطورية استخدمت لتفسير العداوة المتأصلة بين أحفاد الأخوين، الهاشميين والأمويين، كما قارنها بنماذج مشابهة في ثقافات أخرى مثل قصة عيسو ويعقوب، والفكرة المحورية في هذه الأسطورة أن الصراع لم يكن وليد خلاف سياسي فقط، بل تجذر في الوعي الجمعي كصراع أزلي بين مسارين متضادين.
بعد وفاة عبد مناف، حمل هاشم، واسمه الأصلي عمرو، راية الزعامة عن أبيه، ونال احترام قريش بسبب كرمه وحرصه على خدمة الحجيج، حتى أطلق عليه لقب هاشم لأنه هشم الخبز ووزعه على الناس أثناء مجاعة ضربت مكة، وحافظ هاشم على إرث والده، فأصبح من أبرز القادة الذين رفعوا شأن القبيلة، فجمع بين القيادة والكرم والنفوذ الروحي والاجتماعي.
في الجهة الأخرى، اتجه عبد شمس نحو التجارة، وبرز كمفاوض ناجح، يجيد نسج العلاقات وبناء التحالفات التجارية خارج الجزيرة، حيث شكل الأخوان نموذجين مختلفين في أسلوب القيادة، حيث مثّل هاشم القيم القبلية الأصيلة، بينما مثل عبد شمس القوة الاقتصادية والنفوذ الخارجي، وبذلك تأسس جذر الانقسام بين مدرستين ستتنازعان السلطة لقرون طويلة.
الصراع لم يتوقف عند حدود هاشم وعبد شمس، بل امتد إلى الجيل التالي أمية بن عبد شمس أراد أن ينافس عمه هاشم في قيادة قريش، فسعى إلى تقليد أعماله الخيرية، لكن قريش لم تمنحه نفس التقدير، كما احتدم الخلاف بينهما، فاحتكما إلى كاهن من خزاعة للفصل في النزاع، وجاء الحكم بنفي أمية إلى بلاد الشام عشر سنوات، وهناك انتهت حياته، كما أشار المقريزي.
بعد رحيل أمية، ثبتت الزعامة في يد هاشم، ثم انتقلت إلى ابنه عبد المطلب، الذي ورث مجد أبيه وواصل تعزيز مكانة البيت الهاشمي، مؤسسًا لمرحلة جديدة ستؤثر في مجريات التاريخ الإسلامي لاحقًا.



