مسجد سيدي أبي الحسن بتلمسان: تحفة زيانية تشهد على عبق التاريخ في الجزائر
يعد مسجد سيدي أبي الحسن في تلمسان من أبرز المعالم التاريخية التي تعكس روعة الحضارة الزيانية. وقد أسس سنة 696هـ / 1296م بناءً على أمر الأمير أبو عامر إبراهيم بن السلطان أبي يحيى يغمراسن بن زيان. يشهد على تاريخ تأسيسه نقشان. أحدهما مكتوب بالخط الكوفي فوق المحراب، والآخر محفور على لوحة من المرمر الأخضر. موضحًا أن المسجد شُيد بعد وفاة الأمير تخليدًا لذكراه.
تاريخ مسجد سيدي أبي الحسن بتلمسان
يقع المسجد بالقرب من الجامع الكبير لتلمسان. وقد أمر السلطان سعيد عثمان ببنائه تكريمًا للأمير أبي عامر إبراهيم. وقد ارتبط المسجد بالولي والعالم الشيخ أبي الحسن علي بن يخلف التنسي الذي عاش في القرن السابع الهجري. واشتهر بعلمه وتدريسه في تلمسان. كما دفن الشيخ التنسي بجوار ضريح سيدي أبي مدين، مما أضفى على المسجد مكانة روحية وعلمية فريدة.
وفي عذا السياق قال شوقي نذير أستاذ بجامعة تامنغست الجزائر، رغم صغر مساحة المسجد، إلا أنه يعد تحفة معمارية نادرة. يضم المسجد بيت الصلاة ومئذنة فقط، ويفتقر إلى الصحن. ويبرز محرابه كأحد أروع معالم المغرب الإسلامي. حيث يتميز بتصميمه الهندسي الفريد المكون من خمسة أضلاع تستند إلى عمودين. وزخارفه البديعة التي تتشابك فيها الرموز بشكل متناغم. قبته المقرنصة بزخارفها المتقنة وقبيبتها ذات الأخاديد تضيفان لمسة جمالية مذهلة.
عانى المسجد من تحولات متعددة خلال فترة الاستعمار الفرنسي، حيث حول إلى مخزن للعلف والخمور بين عامي 1836 و1848. ثم أعيد استخدامه كمدرسة قرآنية عام 1849، ليصبح مدرسة إسلامية فرنسية عام 1895. في عام 1900، اندلع حريق في المسجد، وتم ترميمه وتحويله لاحقًا إلى متحف، وهو الآن يعرف بـ “المتحف العمومي الوطني للخط الإسلامي” بموجب مرسوم تنفيذي صدر عام 2013.
ورغم العوامل التي أثرت على المسجد عبر الزمن، إلا أن زخارفه، خصوصًا المحراب، لا تزال شاهدة على الإبداع الزياني. يتميز المحراب بزخارفه المدهشة التي تأخذ شكل محارة مركزية محاطة بمراوح نخيلية متكررة، مع نوافذ هندسية تعلوها عقود حذوية متشابكة مع زخارف كتابية، ما يجعله قطعة فنية فريدة تسرد قصة حضارة امتزج فيها الفن بالإيمان.