تاريخ ومزارات

الحناء والحرف التراثية في الإمارات.. عبق الماضي يصنع ملامح المستقبل

مع إعلان الإمارات عام 2025 عام المجتمع تبرز الحرف التراثية كأيقونة نابضة في ذاكرة الوطن ويضيء أصحابها الطريق بثبات وهم يواصلون عطائهم بشغف لنقل هذا الموروث العظيم للأجيال المقبلة فهم ليسوا فقط حافظين لتراث الآباء بل صناع حقيقيون للحاضر المتألق الذي يستمد قوته من جذور الماضي العريق ويغزل بخيوطه ملامح المستقبل.

الحناء والحرف التراثية في الإمارات

وفي خضم التطورات التكنولوجية وثورة الذكاء الاصطناعي تبقى قيمة الذكاء الفطري حاضرة بقوة في قلوب أبناء الوطن وذاكرتهم الجمعية هذا الذكاء الذي قاد الأجداد في رحلة بناء الحياة من أبسط الموارد وتحقيق الاكتفاء من المتاح وصناعة سبل العيش وسط ظروف صعبة هو ذات الذكاء الذي أسهم في نشأة الصناعات اليدوية الصغيرة والبسيطة لكنها كانت ضرورية وأساسية لاستمرار الحياة وتمهيد الطريق لجيل جديد يشق مستقبله بثقة.

الحرف التراثية في الإمارات ليست مجرد مهن يدوية بل هي مرآة حية لمهارة الأجداد وعبقريتهم في التعامل مع البيئة فقد استطاعوا توظيف الموارد المتوفرة لصناعة أدوات ومنتجات لازالت حاضرة بيننا حتى اليوم شاهدة على براعتهم وقدرتهم على تحويل التحديات إلى فرص.

ومن أبرز هذه الحرف تحتل الحناء مكانة خاصة في التراث الإماراتي فهي لم تكن فقط زينة تتجمل بها المرأة بل كانت جزءاً من روح المناسبة ومظهر الفرح في الأعياد والاحتفالات فقد ارتبطت الحناء بجمال المرأة الإماراتية وحضورها الاجتماعي والثقافي وظلت محافظة على بريقها رغم تغير الأزمنة.

وفي هذا الصدد تحدثت الوالدة أم طلال بكل فخر عن تفاصيل صناعة الحناء قديماً فتقول إن الحناء كانت تستخرج من شجر الحناء ثم يتم غسلها وتجفيفها وتنظيفها بعناية وبعدها توضع في المنحاز لدقها حتى تصبح ناعمة ثم تُنقى بواسطة قطعة قماش دقيقة تسمح بمرور الحناء المطحونة وتخلط الحناء مع ماء تم غليه مسبقاً مع الليمون اليابس والقرنفل ثم تُترك العجينة لمدة ساعة أو ساعتين حتى تصبح جاهزة للاستخدام.

أما نقوش الحناء القديمة فكانت بسيطة لكنها تحمل دلالة قوية مثل نقش الغمسة الذي يتم بوضع الحناء في باطن اليد وربطها بقطعة قماش وتركها حتى الصباح وكذلك نقش القصة الذي يُرسم على الأصابع أو كامل راحة اليد ونقش الروايب الذي يكون على أطراف الأصابع أما نقش التيلة فهو عبارة عن نقطة صغيرة على شكل خرزة وفي العصر الحالي ظهرت أشكال معقدة أكثر مثل الأزهار والنقوش الهندسية وغيرها.

وتوضح أم طلال أن الحناء لم تكن تقتصر على الزينة فقط بل كانت تستخدم في العلاج أيضاً فقد كانت النساء والرجال يستخدمونها لتقوية الشعر وتبريد الجسم خاصة في فصل الصيف كما كان الغواصون يستخدمونها كمرطب طبيعي لعلاج جفاف الجلد الناتج عن ملوحة البحر إضافة إلى فوائدها الطبية في علاج الجروح والتقيحات والقشرة والطفيليات التي تصيب فروة الرأس.

وبهذا تبقى الحناء رمزاً متجدداً لجمال التراث الإماراتي الذي استطاع أن يحافظ على حضوره وقيمته رغم تسارع الزمن وتغير المظاهر فكما كانت في الأمس زينة ومصدر علاج ومعنى للفرح هي اليوم جزء لا يتجزأ من هوية إماراتية متجذرة في الأصالة ومتجهة بخطى ثابتة نحو المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى