حوارات و تقارير

ماكرون في العريش من القاهرة إلى خط النار رسالة فرنسية صريحة ضد تهجير الفلسطينيين

جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدينة العريش الواقعة على بعد خطوات من قطاع غزة لتفتح بابا واسعا للتساؤلات حول توقيتها ورسائلها خاصة أنها جاءت بعد ساعات قليلة من القمة الثلاثية التي عقدها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في القاهرة والتي خرجت بمواقف واضحة تدعو لوقف فوري لإطلاق النار في غزة ولضرورة أن تتولى السلطة الفلسطينية وحدها إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب الدائرة حاليا بين إسرائيل وحماس.

ماكرون في العريش من القاهرة

ماكرون لم يكتف بالمشاركة في القمة بل بادر بإجراء اتصال مشترك ضم القادة الثلاثة والرئيس الأمريكي جو بايدن بهدف مناقشة الأوضاع المتفجرة في غزة وهو ما يعكس مستوى التنسيق العالي بين هذه العواصم الثلاث في مواجهة التطورات الإقليمية المتسارعة.

هذه الزيارة تميزت عن سابقاتها كونها جاءت في لحظة مفصلية تمر بها المنطقة خاصة أن ماكرون سبق له زيارة مصر عدة مرات إلا أن هذه المرة حملت أبعادا سياسية وإنسانية واقتصادية وثقافية شديدة التداخل وذات طابع مختلف تماما.

برنامج الزيارة تضمن توقيع عدد كبير من الاتفاقيات التي تعكس مستوى الشراكة بين باريس والقاهرة في مجالات متعددة شملت الصحة والتعليم والدفاع والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي حيث عكست الزيارة الرغبة الفرنسية الواضحة في تعميق العلاقات مع مصر.

قمة القاهرة الثلاثية التي عقدت خلال الزيارة أكدت بوضوح رفض تهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية وشددت على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل عاجل وأظهرت حرص الدول الثلاث على الدفع بالحلول السياسية وإعادة ترتيب الأولويات بما يحمي المنطقة من الانفجار.

خارج القاعات الرسمية اصطحب الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي في جولة داخل منطقة خان الخليلي الأثرية وتجولا معا داخل المتحف المصري في قلب القاهرة وهي إشارات تؤكد على البعد الحضاري والثقافي في العلاقات بين البلدين خاصة مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير خلال شهر يوليو المقبل.

ماكرون حرص أيضا على زيارة جامعة القاهرة وتوقيع اتفاقيات علمية وأكاديمية ما يعكس توجه فرنسا نحو تعميق التعاون البحثي والمعرفي مع مصر كما أشار خلال لقاءاته إلى حجم الاستثمارات الفرنسية في مصر والتي تتجاوز أربعة مليارات يورو عبر الوكالة الفرنسية للتنمية مما يجعل فرنسا الشريك الأوروبي الأول لمصر خارج قطاع الطاقة.

أبرز ما ميز هذه الزيارة هو التوقيع على إعلان مشترك بين البلدين ينص على رفع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية وهو تطور نوعي في العلاقات الثنائية يعكس عمق الثقة السياسية والتعاون طويل الأمد بين الطرفين.

انتقل ماكرون بعد لقاءاته الرسمية إلى مدينة العريش التي تبعد نحو خمسين كيلومترا فقط عن قطاع غزة وهي الخطوة التي حملت رسائل سياسية واضحة خاصة أنها جاءت في وقت تصاعدت فيه المخاوف من محاولات دفع سكان غزة نحو سيناء.

زيارة العريش هدفت لتسليط الضوء على الجهود الإنسانية القائمة في المنطقة حيث التقى ماكرون فرق الإغاثة الفرنسية والدولية وكذلك ممثلي الهلال الأحمر المصري واطلع على آليات جمع وتوزيع المساعدات المخصصة لغزة من ميناء العريش الذي تحول إلى مركز محوري لهذه العملية.

كما تضمنت الزيارة لقاءات مع بعض عناصر الأمن الفرنسي العاملين ضمن بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود والتي قد يجري نشرها قريبا على معبر رفح في ظل الحديث المتزايد عن إعادة تفعيل دور هذه البعثة في سياق دعم الجهود الدولية لنقل المساعدات إلى غزة.

الزيارة سلطت الضوء أيضا على التحديات الميدانية التي تعيق إيصال المساعدات إلى سكان القطاع خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وحالة الحصار المفروضة وهو ما جعل من العريش نقطة تركيز رئيسية في أي تحرك إنساني حقيقي.

في خلفية المشهد السياسي تأتي هذه التحركات بعد طرح الإدارة الأمريكية مقترحات بشأن مستقبل القطاع منها ما يلمح إلى التهجير وهو ما أعلنت فرنسا رفضه أكثر من مرة وأكده ماكرون خلال لقائه مع السيسي وملك الأردن قبل أن يبادر إلى التواصل مباشرة مع بايدن لمناقشة التطورات وخفض التوتر.

تزامنا مع وجود ماكرون في العريش شهدت المدينة وقفة احتجاجية حاشدة دعت إليها قوى حزبية وسياسية تحت شعار لا لتهجير أهل غزة تعبيرا عن الدعم الشعبي المصري للقيادة السياسية في رفضها لهذا السيناريو الذي يهدد الأمن القومي المصري ويقوض الحقوق الفلسطينية التاريخية.

بهذه التحركات المتعددة الأبعاد قدم ماكرون نموذجا مختلفا للدور الفرنسي في المنطقة مؤكدا أن باريس ترفض أي حلول على حساب الأراضي المصرية وتؤيد موقف القاهرة في أن سيناء ليست ولن تكون يوما بديلا عن غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى