معركة ملاذكرد التي كسرت سيف الروم وفتحت أبواب الأناضول للمسلمين

عاشت الأمة الإسلامية يومًا لا يُنسى حين دخل السلطان ألب أرسلان معركة ملاذكرد في عام 463 هجريًا الموافق 1071 ميلاديًا ضد جيش الروم بقيادة الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع، معركة لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بل كانت لحظة فاصلة أعادت رسم موازين القوى بين الشرق والغرب وضربت العمق البيزنطي في مقتل ومهّدت لبداية انهيارهم في آسيا الصغرى.
تاريخ معركة ملاذكرد
لم تكن دولة السلاجقة في بداية القرن الخامس الهجري كيانًا عاديًا بل نشأت قوية على أنقاض الدولة الغزنوية في خراسان وبلاد ما وراء النهر ونجح حكامها في بسط نفوذهم بسرعة غير مسبوقة حتى امتد حكمهم إلى إيران والعراق وبلغت ذروة التمكين عندما دخل السلطان طغرل بك بغداد في الخامس والعشرين من رمضان عام 447 هجريًا الموافق 23 ديسمبر 1055 وأعلن بداية عصر جديد عُرف بعصر نفوذ السلاجقة حيث تحولت الخلافة العباسية إلى رمز شكلي وبقي الحكم الفعلي في يدهم.
معركة ملاذكرد لم تكن كغيرها من المعارك بل وُضعت بجانب الأيام الخالدة في تاريخ المسلمين مثل بدر واليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت لأنها غيرت مجرى التاريخ وكسرت شوكة الروم في معظم مناطق آسيا الصغرى وجعلت من الدولة البيزنطية كيانًا ضعيفًا تتقاذفه الهزائم بعد أن ظلت شوكة حادة في خاصرة المسلمين لقرون.
رومانوس الرابع لم يدخر جهدًا فجهّز جيشًا ضخمًا يضم مائتي ألف مقاتل من الروم والفرنجة والروس والبلغار واليونانيين وغيرهم وتحرك من القسطنطينية يملؤه غرور القوة وعدة النصر فتصور أن بإمكانه سحق السلاجقة وإنهاء وجودهم تمامًا متسلحًا بعدد جنوده الضخم وعتاد جيشه الثقيل.
في المقابل كان ألب أرسلان يدرك صعوبة المعركة ويعلم أن قواته التي لم تتجاوز الأربعين ألفًا لن تقف طويلًا أمام هذا الزحف الرهيب فبادر بضرب مقدمة الجيش البيزنطي في محاولة لإرباكه وتحقيق نصر سريع يمهد للتفاوض لكن الإمبراطور رد بغطرسة ورفض أي صلح إلا في مدينة الري عاصمة السلاجقة مما أكد لألب أرسلان أن المعركة باتت حتمية ولا مفر منها.
استعد السلطان للقتال على طريق الأبطال فصلّى ودعا وارتدى كفنه الأبيض وأعلن استعداده للشهادة ثم قاد جيشه بنفسه في آخر أيام ذي القعدة عام 463 هجريًا الموافق أغسطس 1071 ميلاديًا وأبدع في وضع خطة المواجهة وبث في رجاله الحماسة فتقدّموا كأنهم أسود مفترسة يضربون صفوف العدو بقوة وجرأة.
لم تمر سوى ساعة واحدة حتى حُسمت المعركة وسقطت جثث الروم تملأ ساحة القتال وأُسر رومانوس الرابع وقاده ألب أرسلان أسيرًا إلى خيمته ليعقد معه اتفاقًا يضمن فدية قدرها مليون ونصف دينار مقابل إطلاق سراحه وإطلاق سراح الأسرى المسلمين وتعهده بدفع جزية سنوية مع اعترافه بسيطرة السلاجقة على الأراضي المفتوحة ومعاهدة صلح لمدة خمسين عامًا.
في مشهد مؤثر سأل السلطان ألب أرسلان الإمبراطور المهزوم ماذا كنت ستفعل لو أسرتني فأجابه كنت سأفعل بك أقبح الأفعال فرد عليه ألب أرسلان قائلًا وماذا تتوقع مني الآن فقال رومانوس إما القتل أو الإهانة أو العفو وهو أضعف الاحتمالات فابتسم السلطان وقال ما نويّت إلا العفو مجسدًا بذلك قيم الإسلام النبيلة في الصفح عند المقدرة.
سجلت ملاذكرد اسمها في تاريخ الأمة الإسلامية كمعركة صنعت المجد ورفعت راية الإسلام ومهّدت الطريق أمام المسلمين للانتشار في الأناضول وتركت أثرًا لا يُمحى في ذاكرة التاريخ بعدما عززت من قوة السلاجقة وكتبت اسم ألب أرسلان في سجلات الخالدين بحروف من نور.