تاريخ ومزارات

باب السلام.. مسجد عماني يعيد تعريف الخشوع ويجسد بساطة الإيمان بهندسة مدهشة

يعكس مسجد باب السلام في العاصمة العمانية مسقط جوهر الثقافة العمانية من خلال بساطة تصميمه وانسيابيته اللافتة التي جعلت منه معلمًا فريدًا وسط حي سكني نابض بالحياة.

تاريخ مسجد باب السلام

جاء المسجد الذي فتح أبوابه في مطلع عام 2023  بمبادرة من مؤسسة الجسر الخيرية ليكون أكثر من مجرد مكان للصلاة إذ يحمل في تفاصيله المعمارية فلسفة جديدة تستهدف استحضار روح الخشوع من خلال البيئة والمكان.

قبل انطلاق المشروع كان هناك مقترح لتصميم تقليدي مختلف تمامًا إلا أن تدخل رئيس قسم التصميم في مكتب التقدم المعماري مروان البلوشي قلب المعادلة بالكامل حيث أشار إلى أن التصميم الأصلي مكرر ولا يضيف جديدًا إلى المشهد المعماري في مسقط وسلطنة عمان.

كانت البداية الحقيقية لتغيير مسار المشروع حين وضعت المؤسسة ثقتها في مكتب التقدم وفتحت الباب أمام رؤية جديدة تنقل الزائر إلى عالم من السكينة عبر العمارة نفسها.

أوضح البلوشي أن الفكرة الجوهرية اعتمدت على إعادة صياغة مفهوم الخشوع بحيث لا يقتصر الأمر على أداء الصلاة فقط بل يبدأ من اللحظة التي يقترب فيها الزائر من المسجد ويتفاعل مع مكوناته واحدة تلو الأخرى.

يبدأ المشهد من رؤية منارة المسجد التي تبرز بعلوها وشكلها المتناسق في الأفق ثم يمر الزائر عبر منطقة خضراء مشجرة تمثل حاجزًا طبيعيًا بينه وبين صخب المدينة وتوفر لحظة هدوء قبل الدخول إلى حرم المسجد.

تكمن أهمية هذه المنطقة  في كونها استثناء في بيئة تعاني من ندرة الأشجار ما يجعلها بمثابة انتقال حسي ومعنوي نحو الراحة والتأمل بحسب ما أشار إليه عبدالرحيم الكندي مدير البحوث والمبادرات الثقافية في مكتب التقدم.

وعقب عبور المساحة الخضراء يصل الزائر إلى منطقة الصرح وهي منطقة انتقالية بين الساحة الخارجية وقاعة الصلاة وغالبًا ما تنسى في تصميمات المساجد المعاصرة رغم أنها تشكل فضاءً اجتماعيًا يعزز من تفاعل رواد المسجد.

كانتالبنية الاجتماعية لهذا الفضاء أولوية بالنسبة لفريق التصميم حيث أراد البلوشي أن يستعيد الزائر تجربة المسجد كمكان جامع للأرواح قبل الأجساد لا مكانًا تؤدى فيه الشعائر ثم يغادره المصلون بسرعة.

أما قاعة الصلاة فهي تعبير صادق عن البساطة حيث تتجلى فيها الألوان الهادئة والخطوط النظيفة الخالية من أي زينة أو عناصر مشتتة وتبدو كأنها تنقل الزائر إلى بعد روحي آخر يرتبط بالسكينة لا بالزخرفة

خلال مرحلة التصميم ركز الكندي وفريق العمل على تقليص العناصر الزائدة التي قد تشتت تركيز المصلي وأزالوا كل ما لا يخدم جوهر المكان فاختفَت مفاتيح الإنارة وأزرار التكييف خلف عناصر تصميمية مدروسة كما خلت السجادات من الزخارف لتحافظ الأرضية على نقائها البصري.

كان الضوء الطبيعي جزءًا لا يتجزأ من التجربة أيضًا إذ أُضيفت فتحات ضوئية تسمح بمرور أشعة الشمس إلى داخل المسجد مما يعزز الترابط بين الإنسان والطبيعة ويضفي دفئًا على المكان كما يدعم توجه التصميم نحو الاستدامة بحسب ما أوضحه البلوشي.

ما يجعل باب السلام مميزًا بحق هو اندماجه مع الحياة اليومية لسكان الحي فقد تحول المسجد منذ افتتاحه إلى فضاء نابض بالحيوية حيث يمارس الأطفال اللعب في ساحاته ويجد السكان فيه متنفسًا روحيًا واجتماعيًا في آن واحد.

لخص الكندي هذه التجربة بقوله إنهم أرادوا أن يكون المسجد للناس لا مجرد هيكل معماري مهيب وهذا ما تحقق منذ اليوم الأول عندما شعر الزائرون بأنهم ينتمون إلى المكان دون مقدمات.

باب السلام لا يكتفي بإعادة تعريف مفهوم الخشوع بل يعيد المسجد إلى جذوره كفضاء جامع بين الروح والمجتمع والطبيعة في توازن نادر يصعب تحقيقه في عالم يزداد صخبًا كل يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى