عين زبيدة: أعجوبة هندسية تاريخية في مكة المكرمة

أسماء صبحي – تعد عين زبيدة واحدة من أعظم المشاريع الهندسية التي شهدتها مكة المكرمة في العصور الإسلامية القديمة. حيث ظلت تمد الحجاج والمعتمرين بالمياه العذبة لأكثر من 1200 عام. وأنشأتها السيدة زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، كوقف خيري لخدمة المسلمين، ما يجعلها مثالًا حيًا للعطاء والإبداع الهندسي.
تاريخ إنشاء عين زبيدة
بدأ هذا المشروع في أواخر القرن الثاني الهجري. عندما لاحظت السيدة زبيدة معاناة الحجاج في تأمين المياه خلال رحلتهم المقدسة. فبادرت بتمويل حفر قنوات مائية تنقل المياه من عيون وادي نعمان، الواقع شرق مكة، إلى المسجد الحرام والمشاعر المقدسة، بهدف توفير مصدر دائم للمياه الصالحة للشرب.
تميز هذا المشروع بتقنيات هندسية متطورة، حيث تم تصميم القنوات بطريقة تسمح بانحدار المياه بانسيابية عبر التضاريس الصعبة. مستخدمة أنفاقًا حجرية وصهاريج لتخزين المياه ما جعلها أحد أكثر المشاريع المائية ابتكارًا في ذلك الوقت.
استمرت هذه العين في تزويد مكة بالمياه على مدى قرون طويلة. كما أصبحت عنصرًا أساسيًا في البنية التحتية للمدينة. وعبر العصور الإسلامية، حرصت الدول المتعاقبة على صيانتها. إذ قام السلطان العثماني سليمان القانوني بإصلاحها في القرن العاشر الهجري وأولتها الدولة السعودية الحديثة اهتمامًا كبيرًا.
جهود الحفاظ عليها
في العصر الحديث، تقوم الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بمشاريع لترميم وإعادة تأهيل العين ضمن خططها للحفاظ على التراث الإسلامي. وأوضح الدكتور وائل حلبي، مستشار المواقع التاريخية في الهيئة، أن هناك مشاريع تطويرية تهدف إلى إبراز الموقع كمعلم سياحي وتاريخي يمكن للزوار التعرف عليه والاستمتاع برؤيته.
ورغم اعتماد مكة المكرمة اليوم على تقنيات التحلية الحديثة لتوفير المياه. فإن عين زبيدة لا تزال تمثل رمزًا للعبقرية الهندسية والوقف الإسلامي الذي ترك بصمة دائمة في خدمة الحجاج والمعتمرين. ولا شك أن إعادة إحياء هذا المعلم التاريخي سيعزز من مكانة مكة كمركز حضاري يعكس عظمة التراث الإسلامي.