تاريخ ومزارات

غازية والعجوز.. قصة رعب من العصر المملوكي تهز القاهرة

في عام 662هـ، وبعد أربع سنوات فقط من اعتلاء الظاهر بيبرس عرش مصر، اجتاحت البلاد موجة غلاء كالصاعقة، فارتفعت الأسعار بشكل جنوني، حيث وصل سعر إردب القمح إلى مائة درهم، والشعير إلى سبعين، واضطر الفقراء إلى أكل أوراق اللفت والكرنب، بينما بحث آخرون في الريف عن عروق الفول الأخضر ليقتاتوا بها كما ذكر المقريزي في كتابه “السلوك لمعرفة دول الملوك” لكن الجوع لم يكن التهديد الوحيد الذي أرهب المصريين، فقد استيقظت معه وحوش بشرية استغلت الفوضى لتنسج أبشع الجرائم.

قصة رعب من العصر المملوكي تهز القاهرة

في مواجهة هذه الأزمة، سارع الظاهر بيبرس إلى اتخاذ تدابير لإنقاذ شعبه، حيث أمر بحصر الفقراء وجمعهم تحت القلعة، وألزم الأمراء والأثرياء بإطعامهم، كما وزّع القمح من مخازن السلطنة على الزوايا والأربطة، ورتب لهم مائة إردب من الخبز يوميًا توزع في جامع ابن طولون تحسنت الأحوال قليلًا، لكن الجريمة لم تتوقف، فحين يشتد الجوع، يزداد عدد الذئاب البشرية التي تتربص بالضحايا.

 

في ظل هذه الظروف القاسية، برزت قصة مرعبة عُرفت باسم “غازية والعجوز”، حتى بدت وكأنها نسخة مملوكية من “ريا وسكينة” في القرن العشرين عرفت غازية بلقب “الخنّاقة”، وذاع صيتها في أرجاء القاهرة لم تكن امرأة عادية، بل تميزت بجمال أخاذ وزينة فاخرة، تتحرك كراقصة تسحر العيون، متمردة على تقاليد عصرها، لكنها كانت تخفي قلبًا أسود لا يعرف الرحمة أما العجوز، فكانت العقل المدبر، الشيطان الذي يوجهها ويدبر الخطط لاصطياد الضحايا.

كما بدأت الفاجعة عندما توالت البلاغات إلى والي القاهرة عن اختفاء أشخاص دون أثر، ومرت شهور من القلق دون أن يتمكن أحد من كشف اللغز حتى جاء اليوم الذي انكشفت فيه الحقيقة المروعة، عندما طفت جثث كثيرة فوق مياه خليج القاهرة، بعضها كان لمفقودين معروفين، وأخرى لغرباء، لكن القاتل ظل شبحًا لا يمسك.

كانت نقطة التحول في القضية عندما هرعت خادمة مذعورة إلى الوالي، تخبره باختفاء سيدتها “الماشطة” بعد أن زارتها عجوز غامضة، طلبت منها قماشًا وحُليًا لعروس مزعومة، واعدة بدفع المال ذهبت الخادمة مع سيدتها إلى المنزل المقصود، لكنها لم تعد وعندما سألت عنها، أنكر أهل البيت رؤيتها نهائيًا كان هذا الخيط الذي طالما بحث عنه الوالي، فاقتحم المنزل بقواته وألقى القبض على غازية والعجوز، وبعد مواجهتهما بالدلائل، انهارتا واعترفتا بقتل الماشطة.

لكن المفاجأة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد كشفتا عن وجود شريكين آخرين، رجلين وحشيين يشاركانهما الجرائم وبالصدفة، جاء أحد الرجلين لاستطلاع أمر السجينتين، فوقع في قبضة الوالي، ثم دلّ على شريكه وعلى رجل ثالث يعمل في “فرن طوب”، حيث كان يحرق الجثث لإخفاء الأدلة.

 

أما طريقة الإيقاع بالضحايا، فقد كانت غازية تتألق في الطرقات بجمالها الأخّاذ، بينما تتولى العجوز استدراج الشباب بإيهامهم أن هذه المرأة لا تلتقي بأحد إلا في منزلها حفاظًا على سمعتها وعندما يقع الشاب في الفخ، يجد الرجلين بانتظاره لينقضا عليه، فيجردانه من ماله وثيابه، ثم يلقياه في النار أو في الخليج وللتمويه، كانت العصابة تتنقل بين الأماكن، حتى استقرت خارج باب الشعرية، حيث تم القبض عليها أخيرًا.

 

عرضت الجريمة على الظاهر بيبرس، فأصدر حكمه القاسي بتسمير الجناة تحت القلعة، ولكن بوساطة بعض الأمراء، تم رفع غازية من المسامير، لكنها ماتت بعد أيام أما المنزل الذي شهد تلك الفصول الدامية، فقد هدمه الأهالي وبنوا في مكانه مسجدًا أطلقوا عليه اسم “مسجد الخناقة”، تيمّنًا بلقب غازية وعندما حفرت أساساته، ظهرت جثث كثيرة، شاهدة على الجرائم التي ارتكبت في تلك الدار، حيث قاد الطمع والجشع نفوسًا ضعيفة إلى نهايتها المحتومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى