تاريخ ومزارات

مأدبا: مدينة الفسيفساء وحكاية التاريخ الحي

تبدأ الحكاية عند مدخل مأدبا، المدينة الأردنية التي تختزل في تفاصيلها تاريخاً عريقاً وحضارات متعاقبة تركت بصماتها الواضحة. مأدبا ليست مجرد مدينة، بل شاهد حي على الأزمنة التي عبرتها، فهي تتزين بفسيفساء مذهلة تحكي قصصاً من الماضي وتنسج حكايات السلام والتآخي عبر تعانق المساجد والكنائس القديمة. تقع مأدبا وسط المملكة الأردنية الهاشمية، على بعد 33 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة عمان، حيث يتجلى امتزاج الأزمنة التاريخية. وتبقى المدينة شاهدة على حضارة لم تنطفئ جذوتها، بل بقيت رمزاً للحداثة والجذور الأصيلة.

تسمية أصيلة عبر العصور

لم يتغير اسم مأدبا على مر التاريخ، إلا بشكل طفيف في نطقه، ما يدل على أصالة اسمها. وتعود التسمية إلى جذور سريانية تعني “مكان الطين” أو “المياه الهادئة”، نظراً لاستقرار المياه حولها. وهناك احتمال آخر بأن الاسم آرامي ويتكون من كلمتين “ميا” بمعنى المياه و”أيب” بمعنى الفاكهة، كما يعيش في مأدبا أكثر من 200 ألف نسمة وفقاً لإحصاءات العام الماضي، وقد حازت المدينة لقب عاصمة السياحة العربية لعام 2022 بعد تحقيقها جميع معايير المنظمة العربية للسياحة.

وأشار الدكتور صالح الشورة، أستاذ التاريخ الحديث، إلى أن مأدبا غارقة في القدم، حيث كانت جزءاً من الدولة المؤابية منذ القرن الـ13 قبل الميلاد، وارتبطت بطريق الملوك الذي كان شرياناً تجارياً بين مصر وبلاد الشام. تناوبت عليها الحضارات، بدءاً من الأموريين والعمونيين إلى الآشوريين والفرس. وفي القرن الثاني الميلادي، ازدهرت في العهد الروماني الذي شهد بناء الشوارع المعمدة وأحواض المياه. وفي الحقبة البيزنطية، أصبحت مركزاً للكنائس، وأبرزها كنيسة الخارطة، التي تضم أقدم خريطة فسيفسائية للأراضي المقدسة.

تعرضت المدينة لزلازل مدمرة أثرت على معالمها. لكنها ما زالت تحتفظ بتاريخ ضخم. إذ تعرف بلقب مدينة الفسيفساء. وتضم خريطة مأدبا الفريدة، التي تعود إلى عام 560 ميلادي، وتوجد اليوم في كنيسة القديس جوارجيوس التي شيدت فوق بقايا كنيسة بيزنطية.

كما شهدت مأدبا فتحاً إسلامياً في عام 637 ميلادي، وزارها الخليفة عمر بن الخطاب في طريقه إلى القدس. وفي التاريخ الحديث، ازدهرت المدينة مع استقرار عشائر مسيحية قدمت من الكرك عام 1880. اليوم، تُعد مأدبا وجهة سياحية بارزة لما تحتضنه من متاحف مثل متحف مأدبا الأثري ومنتزه مأدبا التراثي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى