الكاهن آي من سائس خيول إلى عرش مصر في ظل الصراعات الملكية

شهدت مصر القديمة فترات من الاضطرابات العنيفة التي هددت استقرارها الداخلي والخارجي، وكان من أبرز تلك الفترات ما عُرف بـ”الثورة الدينية” في عهد الملك إخناتون الذي حكم بين 1352 و1338 قبل الميلاد، حيث أحدث تغييرًا جذريًا بفرض عبادة الإله آتون بدلًا من آمون، مما أشعل صراعًا طويلًا مع كهنة المعبد. ومع وفاة خليفته توت عنخ آمون عام 1327 قبل الميلاد، بدأت الأحداث تتسارع، وظهر الكاهن آي، الذي كان مجرد سائس خيول ومستشارًا للملك، ليصعد نحو العرش في واحدة من أكثر التحولات المثيرة في تاريخ مصر.
وجدت الملكة عنخ إس با آمون، أرملة توت عنخ آمون، نفسها أمام أزمة غير مسبوقة، إذ لم تنجب وريثًا للعرش، بينما كانت التقاليد المصرية تمنع النساء من الحكم منفردات، مما أجبرها على البحث عن زوج يتولى العرش معها. في تلك الفترة، كانت البلاد تعاني من التوترات الداخلية منذ عهد والدها إخناتون، خاصة بعد إجباره على ترك عبادة آتون والعودة إلى عبادة آمون تحت ضغط الكهنة. تصاعدت الأزمة مع عدم وجود أمير ملكي مناسب للزواج منها، مما دفعها إلى اتخاذ قرار جريء لم يسبق أن أقدمت عليه أي ملكة مصرية من قبل.
في خطوة محفوفة بالمخاطر، أرسلت الملكة رسالة إلى ملك الحيثيين، سوبيللوليوماس، تطلب منه إرسال أحد أبنائه للزواج منها وتولي حكم مصر، محاولةً بذلك الحفاظ على عرش والدها وسط التهديدات الداخلية والخارجية المتزايدة. لكن هذا القرار أثار ردود فعل غاضبة، فالتقاليد المصرية كانت ترفض زواج الملكات من الأجانب، لما يمثله ذلك من خطر على سيادة البلاد. هنا تدخل الكاهن آي الذي كان يراقب تحركات الملكة عن كثب، حيث استغل تلك الفرصة ليشق طريقه نحو العرش.
مكيدة آي واستيلاؤه على العرش
كان آي في موقع يسمح له بالتحكم في مجريات الأمور داخل القصر، وما إن علم بمراسلات الملكة مع ملك الحيثيين حتى بدأ بتنفيذ خطته للاستيلاء على الحكم. بعد تردد طويل، وافق الملك الحيثي أخيرًا على إرسال أحد أبنائه للزواج من الملكة، لكن آي لم يسمح بوصول الأمير إلى مصر، إذ دبر له مكيدة أودت بحياته قبل أن يقترب من الحدود المصرية. وبعد نجاحه في تعطيل هذا الزواج، استغل آي الأمر للضغط على الملكة، مهددًا إياها بكشف مراسلاتها واتهامها بالخيانة، ما لم توافق على الزواج منه.
لم يكن أمام الملكة سوى الرضوخ لهذا الزواج القسري، ليصبح آي ملكًا على مصر. وبعد فترة وجيزة من زواجه بها، اختفت عنخ إس با آمون من المشهد تمامًا، وسط تكهنات بأنها تعرضت للاغتيال على يد آي لضمان استمراره في الحكم دون منازع. بهذا، تمكن الكاهن الطموح من تحقيق حلمه الأكبر، متحولًا من مجرد مستشار وسائس خيول إلى ملك على عرش واحدة من أعظم حضارات التاريخ.