زبيدة وهارون الرشيد: حكاية حب تتوج بالخلافة وتسطر في صفحات التاريخ
كانت أماني زبيدة تحلق في سماء الأحلام، تتوق إلى اليوم الذي تجتمع فيه مع الشاب الوسيم. وبينما كانت تغزل خيوط أحلامها، عاد ابن عمها، الشاب البطل هارون الرشيد. مع والده الخليفة المهدي من ساحات الوغى، حاملين لواء النصر على الروم. وهكذا. تضاعفت الأفراح في قلب زبيدة، فرحة بالانتصار وأخرى بالزواج الميمون من هارون. أُقيمت الاحتفالات الضخمة والولائم الباذخة التي لم تشهد مثلها الأراضي العربية من قبل. وتزينت زبيدة بأجمل الحلي والجواهر، وعمّت روائح المسك والعنبر في مكان الاحتفال. كما غمرت السعادة قلوب الناس بهذا الزواج المبارك.
من هي زبيدة
وتم الزواج بين زبيدة وهارون الرشيد، فامتلأت قلوبهما بالحب العميق، وبفطنتها وحسن تصرفها. كمت نمت مشاعر الحب في قلب هارون حتى أصبح لا يستطيع البعد عنها ولا يرد لها طلبًا.
ومع تقدم الأيام، رُزقت زبيدة من هارون الرشيد بابنها “محمد الأمين”، وأغدقت عليه حبًا وعطفًا شديدين، حتى أنها أرسلت يومًا إلى معلمه الكسائي، الذي كان صارمًا في تأديبه، تطلب منه الرفق بالأمين، قائلة: “كن لينًا مع الأمين، فهو ثمرة قلبي ونور عيني”.
وعندما تولى هارون الرشيد مقاليد الحكم، ازدهرت البلاد وتوسعت رقعتها، حتى أنه كان يخاطب السحابة قائلًا: “امطري حيث شئت، فإن ضريبتك ستعود إليّ”.
وأرادت زبيدة، زوجة الخليفة، أن تسهم في الخير وتعمير الأمصار، فعندما حجت إلى الكعبة المشرفة، وشاهدت معاناة أهل مكة في الحصول على الماء، أمرت بجمع المهندسين والعمال لحفر بئر، وأصرت على أن يتم العمل مهما كانت التكلفة، ومن ثم حُفر بئر زبيدة، الذي أصبح مصدرًا للماء لأهل مكة والحجاج.
أعمال زبيدة
ولم تقف جهودها عند هذا الحد. بل أقامت العديد من المساجد والمباني التي تخدم المسلمين. كما أنشأت الآبار والمنازل على طريق بغداد لراحة المسافرين. وكانت تأمل أن يخلف ابنها الأمين والده في الحكم. لكن هارون الرشيد كان يرى أن المأمون، ابنه من زوجة أخرى. كما أجدر بالخلافة لحكمته وذكائه، على الرغم من صغر سنه مقارنة بالأمين. وعندما عاتبته زبيدة على قراره، أجابها الرشيد بأن الأمر يتعلق بأمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وأنه مسؤول عن رعايتهم. وأن الخلافة يجب أن تُمنح لمن هو أهل لها. ومع ذلك. أوصى بالعهد لابنه الأمين، ثم للمأمون من بعده.
وعندما دخل المأمون بغداد بعد وفاة الأمين. وكان قد نشب بينهما صراع حول الخلافة. استقبلته زبيدة بقلب مفعم بالمحبة، مهنئة إياه بالخلافة التي كانت قد تمنتها له. كما أعربت عن سعادتها بتعويض فقدان ابنها بخليفة آخر لم تلده. كما أكدت أنها لم تخسر بحصولها على مثله. وأشاد المأمون بحكمتها وبلاغتها، معترفًا بأن النساء لا يلدن مثلها.