تاريخ ومزارات

عبد الكريم الخطابي: أسد الريف ومؤسس أول جمهورية في شمال إفريقيا

أسماء صبحي

في القرن العشرين، حين كانت دول شمال إفريقيا ترزح تحت نير الاستعمار الأوروبي. ظهر اسم محمد بن عبد الكريم الخطابي كقائد فريد، جمع بين الفكر والثقافة والسلاح. ليقود واحدة من أعظم الثورات في التاريخ المغاربي.

ولم يكن الخطابي مجرد محارب، بل مفكر قانوني وسياسي سبق عصره. كما أسس أول جمهورية مستقلة في العالم العربي الحديث: جمهورية الريف.

نشأة عبد الكريم الخطابي

ولد عبد الكريم عام 1882 في قرية “أجدير” قرب الحسيمة شمال المغرب، في بيئة أمازيغية محافظة تعتز بثقافتها وقيمها. كما كان والده شيخًا وقائدًا محليًا لقبيلة بني ورياغل. وتلقى عبد الكريم تعليمه الأولي في الكتاب. ثم انتقل إلى مدينة فاس ليلتحق بجامعة القرويين، أحد أعرق جامعات العالم الإسلامي، حيث درس الفقه، البلاغة، والرياضيات.

عين لاحقًا في منصب قاضٍ شرعي، قبل أن يلتحق بالعمل الصحفي في جريدة “تلغراف الريف” التي كانت تصدر بالإسبانية والعربية.

مع تصاعد الاحتلال الإسباني للمناطق الشمالية من المغرب، وخاصةً بعد الحرب العالمية الأولى، بدأت إرهاصات المقاومة تتشكل. وفي عام 1920، بعد وفاة والده، تولى عبد الكريم قيادة المقاومة الريفية. كما استطاع توحيد قبائل الريف تحت راية وطنية واحدة في خطوة غير مسبوقة.

معركة أنوال 1921

في يوليو 1921، وقعت معركة أنوال التي تعتبر من أكثر المعارك إهانة للاستعمار الأوروبي في القرن العشرين. واستطاع جيش الخطابي، الذي لم يتجاوز 20 ألف مقاتل غير نظامي أن يهزم أكثر من 60 ألف جندي إسباني ويغنم ترسانة ضخمة من الأسلحة. وقد قتل أكثر من 13 ألف جندي إسباني في تلك المعركة ما تسبب في أزمة سياسية كبرى داخل إسبانيا.

بعد الانتصار المدوي، أعلن عبد الكريم في عام 1923 قيام جمهورية الريف التي كانت تضم دستورًا وبرلمانًا وجيشًا منظمًا ومؤسسات مدنية. كما سعى الخطابي إلى بناء دولة ديمقراطية مستقلة، ولكن القوى الاستعمارية رأت في تجربته خطرًا يهدد وجودها. وفتحالفت فرنسا وإسبانيا، واستخدمتا الأسلحة الكيماوية لقمع الجمهورية.

المنفى والنضال السياسي من القاهرة

بعد استسلامه في 1926 حفاظًا على المدنيين، نفي عبد الكريم إلى جزيرة “ريونيون” الفرنسية لمدة 21 عامًا. وفي عام 1947، أثناء نقله إلى فرنسا تمكن من الفرار إلى مصر، حيث عاش بقية حياته مناضلًا سياسيًا. وفي القاهرة، أسس “لجنة تحرير المغرب العربي” واحتضن الثوار من الجزائر وتونس والمغرب ودعا إلى وحدة الكفاح المغاربي.

وقال الدكتور الطيب بوتبقالت، أستاذ التاريخ المغاربي بجامعة محمد الخامس في الرباط، إن عبد الكريم الخطابي هو أبو الاستراتيجيا التحررية في شمال إفريقيا. لم يهزم فقط الإسبان عسكريًا بل أسس لفكرة الدولة الوطنية الحديثة قبل استقلال أي بلد عربي.

وألهم عبد الكريم العديد من قادة التحرر في العالم، منهم هوشي منه، وجمال عبد الناصر، وياسر عرفات. وقد كانت تصريحاته الداعمة للقضية الفلسطينية بارزة. حيث اعتبر الكفاح الفلسطيني استمرارًا لمعركة الريف ضد الاستعمار.

توفي عبد الكريم في القاهرة عام 1963، ورفضت عائلته نقله إلى المغرب ما دام “الوطن غير محرر بالكامل”. في إشارة إلى استمرار الاستعمار في بعض المناطق المغربية آنذاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى