مرأه بدوية

أريادني: إمبراطورة بيزنطية سبقت عصرها

دعاء رحيل

أريادني هي إحدى الشخصيات البيزنطية البارزة التي لم تلق الاهتمام الكافي من قبل المؤرخين المحدثين، رغم أنها لعبت دورًا مهمًا في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وفي تعزيز مكانة المرأة فيها. أريادني هي ابنة الإمبراطور ليون الأول، وزوجة الإمبراطور زينون، ووالدة الإمبراطور ليون الثاني. كما أنها كانت شريكة حقيقية لزوجها في الحكم، ولها تأثير كبير في توجيه السياسات الداخلية والخارجية للدولة. وفي هذا المقال، سنحاول استعراض حياتها وإنجازاتها ودورها السياسي في العصر البيزنطي الباكر.

حياتها وزواجها

ولدت أريادني في عام 450 ميلادية، وهي ابنة الإمبراطور ليون الأول وزوجته فيرونا. تلقت تعليمًا رفيعًا، وتعلمت اللغة اليونانية واللاتينية والفلسفة والأدب والموسيقى. كما أنها كانت جميلة وذكية وموهوبة. في عام 466 ميلادية، تزوجت من زينون، الذي كان قائدًا عسكريًا من أصل إيسوري، وهو شعب سوري كان يخضع للحكم البيزنطي. وقد كان زواجهما سياسيًا، بهدف تحقيق التوازن بين الفصائل المختلفة في الإمبراطورية. وفي عام 467 ميلادية، أنجبت أريادني ابنها ليون الثاني، الذي تم تعيينه وليًا للعهد في عام 473 ميلادية.

في عام 474 ميلادية، توفي الإمبراطور ليون الأول، وخلفه ليون الثاني، الذي كان في السابعة من عمره. وبما أنه كان طفلًا، تم تعيين زينون كوصي عليه وشريك له في الحكم. وبعد خمسة أشهر فقط، توفي ليون الثاني، وأصبح زينون إمبراطورًا وحيدًا. وفي هذه الفترة، كانت أريادني تدعم زوجها وتشاركه في اتخاذ القرارات الهامة. وقد أظهرت مواقفها الحكمة والشجاعة والحنكة السياسية.

إنجازاتها ودورها السياسي

أريادني كانت لها دور بارز في تثبيت سلطة زينون ومواجهة التحديات التي واجهته. ففي عام 475 ميلادية، قام باسيليسكوس، الذي كان أخًا لفيرونا، بالتمرد على زينون وطرده من القسطنطينية. وقد حاول باسيليسكوس أن يحصل على موافقة أريادني على تنازلها عن لقبها كإمبراطورة، ولكنها رفضت ذلك بشدة. كما أرسلت رسالة سرية إلى زينون تطلب منه العودة واستعادة عرشه. فيما نجح زينون في ذلك في عام 476 ميلادية، بمساعدة القبائل الغوطية التي كانت تحالفه. وقد استقبلته أريادني بفرح وترحيب، وأعادت له الثقة والاحترام.

أريادني كانت أيضًا لها دور مهم في تحسين العلاقات بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الرومانية الغربية، التي كانت في حالة انهيار. ففي عام 476 ميلادية، أطاح أودواكر، ملك الهيرولي، بالإمبراطور الغربي رومولوس أوغسطولوس، وأنهى الإمبراطورية الرومانية الغربية. وقد أرسل أودواكر التيجان والرموز الإمبراطورية إلى زينون، معترفًا بسلطته كإمبراطور وحيد للرومان. وقد اقترح زينون على أودواكر أن يحكم إيطاليا باسمه، وأن يعترف بالإمبراطور يوليوس نيبوس، الذي كان قد طرد من إيطاليا في عام 475 ميلادية، كوالي له. ولكن أودواكر رفض هذا الاقتراح، وأعلن نفسه ملكًا مستقلًا. وقد حاول زينون أن يستعيد إيطاليا بالقوة، ولكنه فشل في ذلك. وفي عام 480 ميلادية، توفي يوليوس نيبوس، وبذلك انتهت كل الادعاءات على العرش الغربي.

في هذه الظروف، كانت أريادني تلعب دورًا حاسمًا في تقريب المسافات بين الشرق والغرب، وفي دعم مرشح بيزنطي للعرش الغربي. وهذا المرشح كان ثيودوريك الأكبر، ملك الأوستروغوث، الذي كان تحت حماية زينون، وكان يعتبر نفسه رومانيًا. وقد أقنعت أريادني زوجها بأن يمنح ثيودوريك لقب القنصل والباتريكيوس. وأن يرسله إلى إيطاليا ليحارب أودواكر ويحل محله. كما نجح ثيودوريك في ذلك في عام 493 ميلادية. وأصبح ملكًا لإيطاليا، وأقام علاقات ودية مع الإمبراطورية البيزنطية. وقد أرسل ثيودوريك هدايا ثمينة إلى أريادني، تعبيرًا عن امتنانه واحترامه لها.

تسوية النزاعات الدينية

أريادني كانت أيضًا لها دور فعال في تسوية النزاعات الدينية التي شهدتها الإمبراطورية البيزنطية في ذلك الوقت. ففي عام 482 ميلادية، أصدر زينون ما يسمى بـ”صيغة الوحدة”، وهي وثيقة تهدف إلى إنهاء الخلاف بين الطوائف المسيحية المختلفة، وخاصة بين الكلدانيين والمونوفيزيين. وقد كانت هذه الوثيقة مستندة إلى مجمع خلقيدونية، الذي عقد في عام 451 ميلادية. والذي أقر بأن المسيح له طبيعتان، إلهية وبشرية، متحدتان في شخص واحد. كما حاولت أريادني أن تقنع البابا فيلكس الثالث، الذي كان يمثل الكنيسة الرومانية، بقبول هذه الوثيقة، ولكنه رفض ذلك، واعتبرها مخالفة للعقيدة الأرثوذكسية. كما أدى هذا الرفض إلى حدوث انشقاق بين الكنيسة الشرقية والغربية، والذي استمر لعدة سنوات.

أريادني كانت أيضًا لها دور مهم في تعزيز مكانة المرأة في الإمبراطورية البيزنطية، وفي تشجيع الفنون والعلوم والثقافة. فهي كانت تحظى بلقب الأوغسطة، وهو أعلى لقب إمبراطوري، وكانت تمارس السلطة بشكل فعلي ومباشر. وقد كانت تظهر بجانب زوجها في المناسبات الرسمية. كما توقع معه الوثائق والمراسيم، وتتلقى السفراء والمبعوثين، وتتدخل في الشؤون العامة. كما كانت تحمي حقوق المرأة وتدافع عنها، وتدعم النساء الفقيرات والمحتاجات. وقد كانت تشجع الفنانين والعلماء والأدباء، وترعى المشاريع الثقافية والتعليمية. كما كانت تمتلك مكتبة ضخمة، تضم مئات الكتب والمخطوطات، وتهتم بالحفاظ عليها ونشرها.

وفاتها وتقييمها

توفيت أريادني في عام 515 ميلادية، بعد أن عاشت حياة طويلة ومليئة بالأحداث. وقد نعاها زوجها وشعبها بحزن وتقدير.  دفنت في كنيسة القديسين الأربعين، التي بناها زينون في القسطنطينية. وقد تركت خلفها إرثًا عظيمًا، يشهد على دورها البارز في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وفي تطور المجتمع البيزنطي.

أريادني هي إمبراطورة بيزنطية سبقت عصرها، وأظهرت قدرات ومواهب استثنائية. فهي كانت سياسية حكيمة وشجاعة وماهرة، ودبلوماسية ماهرة ومنفتحة ومصالحة، ومسيحية مؤمنة ومنصفة ومسالمة، ومرأة جميلة وذكية ومثقفة، وأم حنونة ومحبة ومخلصة. وقد كانت تمثل نموذجًا للمرأة البيزنطية، التي كانت تتمتع بحرية وكرامة ونفوذ. وقد كانت تستحق الاحترام والتقدير من كل من عرفها وتعامل معها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى