تاريخ ومزارات

إسماعيل باشا.. ابن محمد علي الذي مات حرقًا في السودان  

أسماء صبحي 

في عام 1820، قاد الابن الثالث لمحمد علي باشا، إسماعيل باشا، حملة لضم السودان والسيطرة على الممالك المنتشرة في هذه الأرض. فبعد تولي محمد علي الحكم في مصر، بدأ يفكر في التوسع في الأراضي المجاورة. وأعد العدة لغزو السودان واستيلائه عليه، وأنشأ جيشين لتحقيق هذا الهدف. وكان أحدهما بقيادة ابنه إسماعيل لغزو مملكة الفونج وإخضاعها لحكمه. بينما قاد الجيش الثاني صهره الدفتردار لغزو كردفان في غرب السودان.

جيش إسماعيل باشا

وكان جيش إسماعيل يتألف من 4,500 جندي، مسلحين بالأسلحة النارية ومصحوبين ببعض المدافع والخبراء. ولم يواجهوا أي مقاومة كبيرة في المرحلة الأولى، حتى وصلوا إلى أرض قبيلة الشايقية. وقاومت هذه القبيلة جيش محمد علي، ولكنها فشلت في المقاومة واضطرت للاستسلام.

واستمر الجيش في تقدمه حتى وصل إلى بربر، حيث انتظر قدوم زعماء القبائل السودانية للتبايع له. وبعد ذلك، تقدم إلى شندي، وقام بإرسال رسالة إلى الوزير الفونجي محمد عدلان يطلب منه ومن السلطان تقديم فروض الولاء.

وتمكن إسماعيل من السيطرة على سنار وقضى وقتًا في تنظيم الحكومة هناك. ثم أرسل أفواجًا من الأسرى السودانيين إلى أسوان لاستخدامهم في الجيش المصري النظامي الذي كان محمد علي يسعى جاهدًا لتأسيسه. كما استعد هو أيضًا للعودة إلى مصر بالمصعد في نهر النيل.

في ذلك الوقت، علم الباشا بأن أهالي حلفاية وشندي والمناطق المحيطة بهم قد تمردوا ضد السلطة المصرية بسبب تصرفات جنود الأرناؤوط. وهاجموا قوافل الأرقاء السودانيين واستعادوهم من قبضة الجنود المصريين. ثم عادوا إلى شندي فرحين بالنصر الواضح الذي حققوه.

وصل إسماعيل باشا إلى شندي في ديسمبر 1822 وأمر المك نمر والملك مساعد بالحضور أمامه. وعند حضورهما، بدأ الباشا في توبيخ الملك نمر واتهامه بإشعال الاضطرابات. ثم عاقبه إسماعيل باشا وفرض غرامة فادحة عليه، تتضمن 1000 أوقية ذهب، ألفي عبد ذكر، 4000 نساء وأطفال. ألف جمل ومثلها من البقر والضأن، وكان الهدف من ذلك هو إذلاله وتحقيره.

إهانة ملك شندي

وتعرض ملك شندي لإهانة شديدة وضرب من قبل إسماعيل باشا، بعدما أبدى استحالة تنفيذ طلبه. وقام بإهانته أمام الحاضرين وضربه بغليونه التركي، وكاد أن يهاجمه بسيفه. لكن تدخل الملك مساعد ووقف المشهد، مما جعل الملك يظهر الطاعة والتراجع عن موقفه. ووعد بدفع الغرامة في الصباح التالي، ثم دعا الباشا لتناول العشاء.

وتم ذبح الذبائح وتجهيز الموائد في الوقت الذي أمر فيه الملك شندي جنوده بجمع الحطب والقش والتبن حول القصر، بحجة استخدامها كعلف لخيول الباشا. ولم يدرك الضيوف أن هناك مؤامرة مروعة تحاك ضدهم.

وعندما انتهى الباشا ورجاله من تناول الطعام وتكاثروا في الشرب واستعدوا للعودة إلى معسكرهم. اندلعت النيران في كومات الحطب والقش المحيطة بالقصر، مما جعل القصر يتحول إلى لهب مشتعل. وعلقت النيران باسماعيل باشا وحاشيته ولم يتمكنوا من الهروب من حصار النار واعتداء جنود الملك عليهم بالنبال والسهام من كل جانب. وأغلقت الطرق في وجوههم حتى ماتوا جميعًا، ولم يتمكن الجنود في المعسكر من إنقاذهم لأنهم كانوا بعيدين عن مكان الكارثة.

وعندما وقعت الكارثة، انقض عليهم جنود الملك نمر وأذهبوا بحياتهم، ولم ينج منهم إلا من تمكن من الهرب. وعندما وصلت هذه الأخبار إلى محمد علي باشا، أرسل لصهره محمد بك الدفتردار الذي كان في كردفان خلال تلك الفترة.

انتقام محمد علي

وعندما وصله النبأ تحرك على الفور للانتقام والتعذيب لأولئك الذين شاركوا في الحادثة. ودمر المدينة وتجاوز في التعذيب والقسوة بحق سكانها. حيث قتل حوالي عشرين ألف شخص بعد تعذيبهم بشكل مروع. وتم أسر الآلاف واستعباد النساء والأطفال، وتم إرسالهم إلى القاهرة. وتعقب الملك نمر، لكنه لم يتمكن من القبض عليه، حيث فر إلى حدود الحبشة وأسس مدينة تسمى المتمة.

واستمر حكم الدفتردار العسكري في السودان، واستمرت المجازر الوحشية. وفي ظل عدم تسليم الجنود رواتبهم لمدة ثمانية أشهر، بدأوا في القمع والنهب لتأمين احتياجاتهم الأساسية. وحتى أن الرأي العام الأوروبي انتفض، مما دفع محمد علي باشا لإرسال الدفتردار للعودة في عام 1824. في محاولة لإنهاء الحكم العسكري وإقامة نظام إداري أكثر إنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى