قبيلة بارِق تاريخ من البطولات واعز القبائل الازدية نفرا
قبيلة بارِق تاريخ من البطولات واعز القبائل الازدية نفرا
قبيلة بارِق، وواحدهم (البارِقي): هي إحدى القبائل الأزدية بالجزيرة العربية وتقع ديارها في محافظة بارق جنوب غرب المملكة العربية السعودية. ويذكر النسابون أنها قبيلة عظيمة من الأزد، من الكهلانية، قال ابن الكلبي: «بارق بطن عظيم». ونُسب إلى هذه القبيلة جماعة كثيرة من الفرسان والشعراء والمحدثين، وهي فيما ذكر المؤرخون إحدى أرحاء الأزد، قادرة لقوتها وكثرتها أن تستقل بنفسها، وتستغني عن غيرها، فهي من أقوى القبائل العربية، وأكثرها لساناً وفرسانا، قال ابن عبد البر: «أما الْقَبَائِل الَّتِي قعدت عَن الأزد واكتفت بأسمائها دون الأزد فِي النِّسْبَة وهم من الأزد وَالْأَنْصَار كَمَا ذكرنَا وخزاعة وغسان وبارق ودوس وَمَا عدا هَذِه الْقَبَائِل من الأزد فَلَا تنْسب».
يذكر الأخباريون أن جد بارق وهو مزيقياء، رحل بقومه الأزد في القرن الثاني الميلادي من مأرب يريدون أرضاً تجمعهم يقيمون بها، فلما مات تفرق الأزد، وقيل أنه سمي بمزيقيا لأن قومه تمزقت على عهده كل ممزق عند هربهم من سيل العرم، ويعتقد المستشرق نولدكه أن هذا التفسير هو الأصح ويرى أنه مأخوذ من الآية: «جَعَلْنَاهُمْ أَحَاديثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلّ مُمَزَّقٍ، إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلّ صَبَّارٍ شكَوُرٍ»، فحل بنو بارق بن حارثة بن مزيقياء الغور بأرض شن، فنسبت إليهم، وفي ذلك يقول ابن الكلبي وابن إسحاق:«جمع عمرو بن عامر بنيه، فقال لهم: يا بني إنّي قد علمت أنّكم ستتفرقون من منزلكم هذا بعدي. فمن كان منكم ذا همّ بعيد وجمل شديد ومزاد حصيد فليلحق بكاس وكود فلحقت وادعة ابن عمرو بأرض همدان. ثم قال: من كان منكم ذا همّ مدنّ وأمر ذي عنّ فليلحق بأرض شن، فلحقت بارق». وذكر الحموي نزولهم تهامة، قائلاً:«سارت قبائل نصر بن الأزد وهم قبائل كثيرة، منهم: دوس رهط أبي هريرة، وغامد، وبارق، وأحجن، والجنادبة، وزهران وغيرهم نحو تهامة، فأقاموا بها. وشنئوا قومهم أو شنئهم قومهم، إذ لم ينصروهم في حروبهم، أعني حروب الذين قصدوا مكة فحاربوا جرهم، والذين قصدوا المدينة فحاربوا اليهود».
وُصفت هذه القبيلة بالهمة والصبر وحسن البلاء في الجاهلية والإسلام، حتى كانت أبرز القبائل العربية، فبارق في الجاهلية وصدر الإسلام أعز القبائل الأزدية نفراً، وأعظمها أثراً، ولما كان الإسلام تبوأت بارق منه مكانة رفيعة جداً، وكان لها إسهامها الفعال في أحداثه المهمة، على أن إسلامها لم يأت دفعة واحدة، وإنما جاء متتابعاً بتتابع بطونها على الإسلام حتى اكتملت صورته بوفادة أبيض البارقي على رأس قومه من سنة سبع للهجرة، وقد عرف النبي الكريم للبارقيون فضلهم، فكتب لهم كتاباً يكفل حقوقهم. ومن أوائل من أسلم منهم: غرقدة البارقي شهد مع النبي غزوة بني المصطلق سنة 5 هـ، وعروة بن الجعد البارقي وكان قديم الإسلام من أهل الصفة المنعوتين بضيوف الإسلام، شهد قتال أهل الردة مع خالد بن الوليد، ودخل معه العراق فكان من أمراء الفتوح أيام أبي بكر. وعرفجة بن هرثمة البارقي وحذيفة بن محصن البارقي من المهاجرين، ومن قادات حروب الردة زمن الخليفة أبي بكر الصديق، وكانا من عمال النبي على الصدقات. وحين تمرد العرب على حكومة المدينة، ثبتت بارق وتصدّت للمرتدين وحاربتهم، وكان لهم لواءين من الألوية الإحدى عشر التي عقدها أبو بكر الصديق.
وفي إدارة الدولة استعان بهم الخلفاء الأوائل في الإدارة ولاةً وقضاة، فولي عروة بن الجعد البارقي قضاء الكوفة وهو أول قضاتها، وولي عرفجة بن هرثمة البارقي الموصل فأسسها لتصبح ولاية كبرى، ونَصَّب حذيفة بن محصن البارقي والياًً على عمان واليمامة، كما ولي حميضة بن النعمان البارقي السراة وما والاها من بلد الأزد. ولما كان الفتح شاركوا في أعماله الخالدة، وشهدوا تحرير العراق والشام، قال صالح أحمد العلي:«بارق من العشائر الأولى التي استجابت لدعوة عمر بن الخطاب في الانضمام إلى الجيوش الإسلامية الموجهة إلى الفتوح، وأمر عمر بن الخطاب عليهم عرفجة بن هرثمة، ثم أردفهم بسبعمائة من أهل السراة وهم بارق وألمع وغامد، وعليهم حميضة بن النعمان البارقي. وكانوا قد انضموا إلى المثنى وقاتلوا في البويب، وشاركوا في معركة القادسية؛ وكان رئيسهم عرفجة من الوفد الذي فاوض رستم، وشاركوا في فتح المدائن؛ وكان على الجيش الذي فتح تكريت والموصل، وولي خراج الموصل بعد فتحها، ثم أرسل لتعزيز القوة الإسلامية التي كانت تقاتل الهرمزان في الأهواز». وقد استوطن عظمهم في الكوفة والبصرة، وسكن بعضهم الشام، وتحولوا شيئا فشيئا في البلاد المفتوحة خلال تلك العصور. واشتركت بارق في فتوح مصر، وكان عروة البارقي صاحبة راية الأزد في فتوحها. كما اشتركوا في فتح الأندلس، وقد أشار الدكتور مصطفى أبو ضيف أحمد إلى أن مساكن بارق بالأندلس كانت مدينة إستجة.
ولما آلت الخلافة لعلي بن أبي طالب كانت بارق من مؤيديه، وأبرزهم عروة البارقي وهو من أمراء علي يوم صفين، وفي بلاء عروة يقول شاعرهم:«مُوَازٍ ولاَ عِدلٌ لِعُروَةَ إِذ غَدَا، على صَفٍّ صِفِّينَ العَظيمِ المَوَاكِبِ»، وكانت راية الأزد يومها مع ابنه علاء بن عروة، ومن مشاهيرهم البارزين المؤيدين لعلي: ابن عمار البارقي، وأم الخير البارقية، والمستظل البارقي، وقيس بن عوف البارقي، وعمرو البارقي، وحيان بن الحارث البارقي وبنوه. وبعد مقتل الخليفة علي بن أبي طالب، لم يؤيد جمهور بارق الحاكم الأموي ولكن معاوية استطاع بحسن سياسته أن يتجنب معارضتهم. ولما أعلن عبد الله بن الزبير خلافته، سارعوا إلى بيعته، وقاتلوا مع الزبيريون المختار الثقفي والخوارج، وفي ذلك يقول سراقة البارقي مفتخرا: «عمدا جعلت ابن الزبير لذنبه، يعدو وراءهم كعدو الثيتل». وتضاءل شأن بارق بعد القضاء على الحركة الزبيرية سنة 73 هـ، وكان كثيرٌ منهم مناصراً لها. وبرزوا من جديد مع ثورة زيد بن علي، فأووه وناصروه، فنزل في بدءه دار عبد الرحيم بن نصر البارقي، فدار شبيب بن غرقدة، ثم دار عامر البارقي الذي قبض عليه وأعدم، وأعلن زيد ثورته من حي بارق في الكوفة، فحملوا معه السلاح دون تردد، وقتل مع زيد منهم العشرات. ولما ظهرت الدعوة العباسية، سارعوا إليها، فكان لهم دورا رئيسا بزعامة عمرو بن الأشعث البارقي وهو أحد نظراء النقباء في الدعوة العباسية، كما كان منهم كلثوم بن شبيب وهو من قادات الدعوة الأوائل، وشارك في المعارك ضد الأمويين، وكان أول من شغل منصب الشرطة في الدولة العباسية.
اعتمد البارقيون على تجارة القوافل في معيشتهم منذ سوق حباشة، واستغلوا موقع بلادهم التي كانت تأتي إليها القوافل من كل صوب، فازدهرت تجارتهم، وقد عدت منطقتهم الأغنى في تهامة حتى القرن العشرين، وتذكر التقارير الإنجليزية ديارهم بقول: «منطقة بارق الثرية». كما أولى البارقيون اهتمامهم بالزراعة لصلاح موقع بلادهم لهذا النوع من العمل، ويذكر كيناهان كورنواليس بلادهم في أخصب المناطق، ويقول:«وأفضل المناطق الزراعية هي رجال ألمع، وتمنية، وبارق، وأبها، وتنومة». وكان اعتمادهم في الزراعة على الأمطار التي تهطل بكميات كبيرة تقدر بين 700 و900 ملم سنويا، وعلى الأودية التي تجري في بلادهم، فعمروا القرى والمزارع على نطاق واسع، وانصرفوا إلى الرفاهية والترف، ومما يتصل بذلك قول كيناهان كورنواليس:«هم مسالمون، يعشقون المُتْعَة والترف، وغير مغرمون بالحرب. ومع ذلك، فلا يُستبعد منهم الإغارة». وأولت هذه القبيلة اهتماما كبيرا بالعمران، وقد اتفق الشريف البركاتي وكيناهان كورنواليس في تقدير قراهم بأكثر من خمسين قرية، وقال كورنواليس:«بارق تتألف من أكثر من خمسين قرية مبنية كلها بالحجر»، ويذكر الشريف البركاتي قراهم باندهاش قائلاً: «بارق تبلغ خمسين قرية، كلها مبنيَّة بالحجر المنحوت الجميل، والدور فيها من طبقين إلى ثلاث، ولم نكن نظن أن يكون بهذه الديار اعتناء بالأبنية بهذا الشكل».