كتابنا

د.بسام أبو عبد الله يكتب:القتال تحت حد السكين!

د.بسام أبو عبد الله يكتب:القتال تحت حد السكين!

إن أصعب مهمة بالنسبة لنا هذه الأيام هي الكتابة، ومخاطبة الرأي العام السوري الذي يواجه أقسى الظروف وأكثرها قتامة على الإطلاق، العوز والحاجة يضربان كل البيوت، والحياة تكاد تكون معطلة ومتوقفة باستثناء القضايا الأساسية التي يمكن تسميتها بـ«غرفة الإنعاش»، ويبدو لي أن رأس الإجرام في الولايات المتحدة وجد أن الحصار الاقتصادي هو الأنجح له، والأكثر فائدة وتأثيراً في حياة السوريين بعد أن أنهكها بقطعان مؤلفة من الإرهابيين والقتلة الذين جاء بهم من كل أصقاع الأرض، ومن كل الجنسيات، وشاركهم الجريمة جزء من السوريين الجهلة، والمرتزقة الذين أوهموهم بالكراسي والسلطة ليستخدموهم أدوات لتدمير بلدهم، وهو ما حصل بالمال الخليجي الذي وصل لمئات مليارات الدولارات، وإذا كان الناس يفهمون ويدركون كل هذه التفاصيل، فلماذا يبدو تأثيرنا قد ضعف، ولم يعد أحد يصدق ما تقول له، ذلك أنه لا يفهم مثلاً لماذا لا يقدم حلفاؤنا وهم من أهم دول النفط والغاز في العالم، ما يساعد السوريين على كفاف عيشهم، والحقيقة: لا جواب!

ثم يسألك الناس: كيف يمكن لبلد مقاوم يجد صعوبة في تأمين الحد الأدنى لقوت مواطنيه أن يسمح لأحدث أنواع السيارات أن تدخل، وتتبختر في الشوارع، والأزقة متحدية عوز الناس، وجوعها، من دون أي خجل، أو وجل، الحقيقة: لا جواب!

الآن على الرغم من صعوبة الأسئلة التي يطرحها الناس وهي كثيرة، وكثيرة جداً، لكن الإجابة ليست بإظهار العجز الذي يبدو أنه سيد الموقف، بل لابد من حشد الجهود الوطنية والعقول المنيرة، لإنتاج حلول تخفف بالطبع من حدة ما نمر به من أحوال معيشية قاسية جداً، وهنا لا أؤمن أبداً بأنه لا حلول، وأننا عاجزون، بل لابد من الاستنفار الكامل لما تبقى لدينا من طاقات وأفكار وخطط عمل لمواجهة الحاضر الصعب، والمستقبل غير الواضح.

أعداؤنا وعلى رأسهم الولايات المتحدة، مستمرون بشحذ سكاكينهم للإجهاز علينا، وها هو قانون «الكبتاغون» يطل برأسه مع قدوم عام 2023، ليتحول إلى سكين جديدة، يريدون غرزها في جسدنا للإجهاز علينا كما يعتقدون ذلك، إنهم يتبعون التكتيك نفسه الذي اتبعوه في العراق قبل عقود من الزمن، وهو الحرب العسكرية، ثم الحصار الاقتصادي حتى الإنهاك، ثم الانقضاض الأخير كما يتوهمون.

الإجراء الأميركي الجديد الذي أقرّه الكونغرس الأميركي بمجلسيه الشيوخ والنواب سيصبح قريباً على طاولة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهذا يعني اللجوء إلى تطبيق أقسى الإجراءات تحت عنوان «مكافحة المخدرات»، على الرغم من أن العالم يعرف تماماً أن واشنطن هي أكبر مركز لغسل الأموال القذرة، وخاصة «تجارة المخدرات»، وأفغانستان نموذج حي أمامنا، إذ ازدهرت هذه التجارة في ظل الاحتلال الأميركي لها، ولم تتراجع، لأنها ذات فائدة لهم من جهة، ولأنها تقضي على الزراعة والإنتاج الزراعي في أفغانستان، وبغض النظر عن هذه المعلومات التي يعرفها كثيرون، والكلام عنه لن يفيد بشيء، بل سيكون الهدف القادم تدمير صناعات الأدوية السورية، والتضييق على كل أشكال التصدير والاستيراد تحت هذا العنوان الفضفاض، والضغط على دول جوار سورية: لبنان والأردن والعراق ودول الخليج لتطبيق هذا الإجراء الجديد، وبسرعة.

هذا الوضع الاستثنائي جداً لن يؤدي إلا إلى مزيد من هجرة الكفاءات والشبان، ورؤوس الأموال وخاصة أن الجباية تحولت إلى إستراتيجية مخيفة لأصحاب المنشآت والمعامل والتجار، وهي سياسة قد تكون قصيرة النظر، لأن المطلوب هو تشجيع الإنتاج والعمل والحركة الاقتصادية، وليس التضييق عليها، والمطلوب مكافحة الفساد الكبير الذي ينهش في الجسد السوري المتعب، ثم يغادرنا إلى الجنات الضريبية ليؤسس شركاته، وعماراته بعد أن كان البعض من هؤلاء لا يجدون قوت يومهم.

قد يكون هذا الكلام مرضياً للرأي العام، ويُنفس عن همومه، وضغوطه المعيشية، لكنه ليس الهدف، أي إنه ليس غاية بحد ذاته، ولسنا في موقع من يحاسب أحداً أبداً، ولكننا في موقع من يطرح أسئلة الناس، ليبحث في المخارج والحلول، وهنا دعوني أطرح بعض النقاط المهمة للتفكير فيها، ومنها:

1- هل الحكومة عاجزة عن إيجاد الحلول الإسعافية، أم إن هناك «لوبيات مصالح»، تمنع بعض الحلول بسبب مصالحها، وهذه المصالح متشابكة، وليست بالقليلة؟!

2- هل يمكن التفكير من خارج الصندوق الحكومي بحلول، بالطبع إسعافية تخفف عن الناس، ولا تحل مشاكلهم لكنها تمرر هذه المرحلة الحرجة؟ أعتقد بالإمكان ذلك.

3- ما علاقة كل ما يتعرض له الشعب السوري من مصاعب هائلة، وقاسية، بالأثمان السياسية المطلوبة منه؟ منها مثلاً:

– هل نقبل باستمرار الاحتلال التركي لجزء من أراضينا، مقابل بعض الفتات الاقتصادي؟

– هل نقبل بمشروع «قسد» الانفصالي، الذي تدعمه الولايات المتحدة والغرب الجماعي، مقابل الفتات الاقتصادي، وبالتالي نكون كمن يقبل بخلية سرطانية بجسمه؟!

– هل نحن مستعدون لوقف دعم المقاومة على صعيد المنطقة كي يقدم لنا بعض هذا الفتات الاقتصادي مثلاً؟ وإذا كان البعض يعتقد أن المخرج هنا، فإنه كمن يذهب للتفاوض من دون سلاح، ولذلك فالنظرة هنا ليست تكتيكية بل إستراتيجية، من لديه الحلول فليعرضها مع نتائجها المنتظرة، كما حدث مع الأردن والسودان، وغيره ممن اعتقد أن الخلاص يبدأ من هنا.

– هل نحن مستعدون بعد هذه التضحيات الهائلة أن نقبل العملاء والخونة في بنية الدولة السورية كي يرضى الغرب عنا؟ سؤال يحتاج للإجابة!

– هل نحن مستعدون للتطبيع مع الكيان الصهيوني من أجل فتات اقتصادي لن يصل؟ ثم إن من يعتقد بذلك ليقدم لنا النماذج الناجحة، وكيفية تحقيق ذلك، دون خجل أو وجل؟ وجوابي أن السوريين لن يقبلوا بهذا الخيار، ولا بمناقشته بعد انكشاف الوجه الفاشي الحقيقي والأصلي لهذا الكيان الغاصب، وقبل ذلك أيضاً.

أما الحلفاء فإنه من غير الأخلاقي مهاجمتهم وهم قدموا ويقدمون، ويجب أن يقدموا لأن ضعف سورية وتراجعها هو ضعف لهم، والحرب علينا جزء من الحرب عليهم، وإذ كنا نتفهم التحديات الماثلة أمامهم في حروب عالمية الطابع لكن لم يعد مقبولاً أن يبرد السوريون ويجوعوا ويصبروا كل هذا الصبر الأسطوري من دون أن يشعر بهم أقرب الحلفاء.

أقدر أن هناك انفراجات قريبة لكن واجبنا أن ننقل غضب الشارع السوري بمحبة وتقدير، لأننا نؤمن بأننا مع حلفائنا في قارب واحد.

وإذا كان البعض يرى، ونحن منهم، بأنه لا يزال هناك أمل لن يموت ما دمنا أحياء، فإن الأهم هو العمل على المستوى الوطني لإحياء شعلة الأمل وتقويتها، ذلك أن القتال والحرب أخذا أشكالاً أكثر إجرامية، ودموية، من خلال تجويع السوريين، وقهرهم بالبرد، والعوز، والحاجة، معتقدين أن ذلك سيكسر إرادتهم، ويدفعهم للاستسلام تحت حدّ السكين، وهنا لابد من العمل على تقوية خيار المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية كأحد الحلول والمخارج، فالاحتلال الأميركي لم يخرج من أرض دون مقاومة، وإذا كان البعض يتثاقل في هذا الخيار، معتقداً أنه خيار صعب ومعقد، فإنني أرى أن الظروف قد نضجت أكثر لهذا الخيار، فالوعي تغير عبر السنوات، ومشروع «قسد» أميركي صهيوني وانفصالي، ولن يقدم لأولئك الذين يرتزقون منه سوى الفتات، ولن ينظر إليهم إلا على أنهم أدوات للاستخدام.

لقد وصلنا إلى مرحلة القتال تحت حدّ السكين، وعدونا لن يتوقف حتى يذبحنا من دون تمييز، ولن يرّف له جفن، وهو يحاصر ويسرق وينهب، وعدونا معروف العنوان، ولتتوجه كل طاقات السوريين نحو قتال هذا العدو وطرده، ودون ذلك سنبقى جياعاً محتاجين، نعاني البرد والمرض، ولن يلتفت لنا أحد، ولن ترفع السكين الأميركية عن رقابنا إلا بعد أن تنتشر جثث الأميركيين في الرمال السورية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى