غزوة ذي أمر: حينما تصدى النبي محمد للمؤامرات وحافظ على سلامة المدينة
غزوة ذي أمر، التي وقعت في شهر محرم من السنة الثالثة للهجرة، تعد إحدى الغزوات التي قادها النبي محمد بن عبد الله، رسول الإسلام. عقب عودته من غزوة السويق، استقر النبي في المدينة المنورة طوال شهر ذي الحجة من العام الثالث للهجرة. ومع بداية العام الرابع، توجه إلى منطقة نجد بهدف مهاجمة قبيلة غطفان، واستودع مسؤولية المدينة لعثمان بن عفان. أمضى النبي وأصحابه في نجد طيلة شهر صفر، دون أن يواجهوا أي معارك مباشرة مع العدو.
تاريخ غزوة ذي أمر
بحسب ما جاء في “البداية والنهاية” لابن كثير، بعدما عاد النبي من غزوة السويق، قرر التوجه نحو نجد في غزوة ذي أمر، وعين عثمان بن عفان حاكماً على المدينة في غيابه. وأمضى النبي وأصحابه شهراً كاملاً في نجد دون مواجهة أي تهديد حقيقي، وهو ما يشير إلى استراتيجيتهم الحكيمة في تجنب الاشتباك المباشر مع الأعداء.
بحسب الواقدي، علم النبي أن قبائل غطفان من بني ثعلبة بن محارب قد تجمعوا في ذي أمر بهدف محاربته. فخرج إليهم في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول في السنة الثالثة للهجرة، مصطحباً معه 450 مقاتلاً. خلال غيابه، استمرت المدينة تحت قيادة عثمان بن عفان، وواجه النبي وأصحابه تحديات طبيعية حيث هربت الأعراب إلى رؤوس الجبال. عندما بلغوا منطقة يُطلق عليها “ذي أمر”، عسكروا هناك تحت أمطار غزيرة، فابتلت ثياب النبي، فجلس تحت شجرة ليجففها، وقد كان هذا تحت مرأى من المشركين.
من بين المشركين، كان هناك رجل يُدعى غورث بن الحارث، أو دعثور بن الحارث، حاول اغتيال النبي محمد. اقترب غورث من النبي حاملاً سيفه وسأله: “من يمنعك مني اليوم؟” أجاب النبي بثقة: “الله”. في تلك اللحظة، دفع جبريل غورث في صدره، فسقط السيف من يده، فأمسكه النبي وسأله: “من يمنعك مني الآن؟” رد غورث: “لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله لن أجمع عليك أحداً أبداً”. وأعطاه النبي سيفه، وعاد غورث إلى قومه ليحكي لهم ما حدث، داعياً إياهم للدخول في الإسلام.
وقد نزل في ذلك الحدث قول الله تعالى: *”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ”* [المائدة: 11].
أشار البيهقي إلى أن قصة محاولة اغتيال النبي تكررت مرة أخرى في غزوة ذات الرقاع، مع رجل آخر يُدعى غورث بن الحارث. لكن الأرجح، كما ذكر مؤلف “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” لابن الجوزي، أن الحادثتين مختلفتان. فقد تم التأكيد على أن غورث بن الحارث لم يسلم بعد حادثة ذي أمر، بينما الرجل الذي حاول اغتيال النبي في غزوة ذات الرقاع لم يسلم واستمر على دينه.
بحسب كتاب “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم”، كانت غزوة ذي أمر تُعرف أيضاً بغزوة أنمار، وقد تحرك النبي حين بلغه تجمع بني ثعلبة ومحارب في ذي أمر. استجاب لأمر رسول الله 450 من أصحابه، وخرجوا لمواجهة هذا التهديد. وكان معهم رجلاً يُدعى حبار من بني ثعلبة، الذي أخبر النبي عن نوايا الأعداء، وكيف أنهم فروا إلى رؤوس الجبال عند علمهم بمسير النبي نحوهم. وقد أسلم حبار على إثر هذا اللقاء، ولم يُواجه النبي أي مقاومة تُذكر في تلك المعركة.
كانت غزوة ذي أمر دليلاً على حكمة النبي محمد وحنكته العسكرية، حيث نجح في تفادي أي اشتباك مباشر مع الأعداء، وأرسل رسالة قوية إلى القبائل المحيطة بقدرته على حماية المدينة وأمنها. وبعد إحدى عشرة ليلة من التحرك في نجد، عاد النبي وأصحابه إلى المدينة دون أن يواجهوا أي كيد، ما يعكس قوة تأثير النبي وذكاءه في التعامل مع التهديدات المختلفة التي واجهته.