طيبة مدينة المائة باب وساحرة القلوب وأميرة البلاد..اعرف تاريخها
تستعد طيبة الأقصر الحالية لإبهار العالم بحضارتها ونهضتها من الماضي السحيق، لترسل رسالة للعالم الحديث بأن مصر عاشت ومازالت قوية فتية ما انطفأت عنها جذوة الحضارة يوما. قد تخبو وتنزوي، لكن باقية في جذورها متأصلة في دماء أبنائها.
مدينة مصرية
قيل عن طيبة أن هناك مدينة مصرية تسمى طيبة ذات بريق أكوام السبائك الذهبية. طيبة هي مدينة المائة باب. حيث أربعمائة بطل بجيادهم وعرباتهم الحربية يجوبون شوارعها عبر تلك البوابات بذلك الوصف. ورد ذكر طيبة في القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد في نصوص الإلياذة في المشهد العاشر للشاعر الإغريقي “هوميروس”. وبذلك تقف طيبة على ملتقى تاريخ له عراقته بمسلاتها المذهبة وحيطانها المذهبة حصينة بأبوابها المائة، فريدة أمام أنظار التاريخ إلى يوم الميعاد.
وقيل عنها احتلت طيبة مكانها المرموق في العصور القديمة على سطح إقليمها، الذي وقعت فيه حيث توسطت مصر العليا في جنوبها أسوان وبلاد النوبة الغنية بالذهب. وهي الطريق إلى قلب إفريقيا النابض بالرخاء وثراء تربته بالعاج والأبنوس والتبر وأشجار البخور. حيث تقع طيبة على مقربة من مناطق الذهب بالصحراء الشرقية، وعندها تنتهي طرق الصحراء الغربية، وفي شمالها منطقة زراعية لها اعتبارها في ميدان الرخاء. أتاح موقع طيبة أن يشطرها نهر النيل إلى قسمين. فعلى الضفة الشرقية حيث تشرق الشمس قامت مدينة الأحياء وكانت تغمرها القصور والمعابد. وعلى الضفة الغربية حيث تغرب الشمس أنشأت مدينة الأموات والغروب والموت يرتبطان معنىً وإيحاءً.
حضارة قديمة
ارتقت حضارة مصر في طيبة إلى أعلى مستوى عالمي في ميادين العلوم والفنون وخاصة فنون المباني والنقش والتصوير. ومن ملامح ذلك القصر الملكي وأثاثه وما كان له من إبداع ارتقى به إلى منزلة لا تضارع ولا تصل إليها قصور أوروبا في العصور الوسطى حتى مطلع العصور الحديثة.
ارتبطت طيبة ارتباطا وثيقا بتاريخ مصر منذ استطاع ملوكها طرد الهكسوس والحفاظ على هيبتها، بل وارتبطت أيضا بتاريخ الشرق القديم والعالم المتحضر في ذلك الوقت. إذ اتسع نفوذ طيبة التجاري والسياسي فشمل بلاد العراق بشقيه وهضبة الأناضول وبلاد العرب والبحر الأحمر، حتى بلاد بونت وأواسط إفريقيا وامتد غربا إلى ليبيا.
علاقات تجارية
وصلت علاقات طيبة التجارية حتى بلاد إيران وأفغانستان. وكان لها أيضا صلات بحضارات جزر البحر الأبيض المتوسط وحضارته في ذلك الوقت.
لم تستطع الكوارث التي أحدثها الآشوريون بطيبة أن تطيح بمركزها في ميدان التراث. بل بقيت أعظم مدينة أثرية في العالم تذكرنا بالماضي المجيد الفريد، الذي ارتقت إليه وغرت فيه آثارها العالم قديمه وحديثه. بقى الكرنك شامخا يعتز بنفسه ويبعث الرهبة في النفوس ويستجلب احترام الإنسان القديم والحديث.
وأقيم على أرض طيبة تلك البقعة المقدسة معبدا لآمون. وبقيت هذه البقعة مقدسة طوال التاريخ الفرعوني، بل حتى بعد قدوم المسيحية والإسلام.
أميرة البلاد
وورد على لسان حكيم مصري قديم على جدران مقبرته بالبر الغربي متسائلا ما الذي يحدثون به أنفسهم كل يوم أولئك البعيدون عن طيبة؟. الذين يقضون يومهم يحلمون باسمها يقولون لو أن لنا فقط مثل أنوارها هي ليس كمثلها تحت الشمس مدينة. وإن سائر ما عداها من المدن يسير في ظلها. إنها أميرة البلاد.
حافظت طيبة على قداستها ولم يدنسها إنسان رغم تهدم هيكل عبادة آمون الأصلى ومعظم مبانى الكرنك. وتزين مسلات طيبة روما وباريس ولندن ونيويورك واسطنبول. بل أقيمت في إيطاليا وفي مدينة بالتيمور مسلات تقلد المسلات المصرية. وقد وزعت تحف طيبة متاحف العالم وصارت أغنى وأجمل ما فيها.
اسم الكرنك اسم حديث أطلقه العرب عليه وهو محرف من كلمة “خورنق” ومعناه قرية محصنة. بينما اسم الكرنك في اللغة المصرية القديمة هو إبت سوت” أى” هذا الذي يعُدُ الأماكن -ومعناه الذي يقوم بمراجعة الأماكن على القوائم الملكية-. ثم تغير معنى الاسم في عصر الرعامسة إلى” أجَلُ الأماكن المختارة” وأُطلق على الكرنك تسمية “إيون شِمع”، وتعنى أون الجنوبية. وفي العصر الإغريقى أطلق على الكرنك “السماء فوق الأرض”. ظهر لأول مرة اسم إبت سوت الذي عرف به معبد الكرنك في الدولة الوسطى على جدران مقصورة سنوسرت الأول التى عثر عليها في البيلون الثالث، أما قبل ذلك فكان يعرف المعبد باسم “بر آمون” أي بيت آمون أو معبد آمون.
وها هي أميرة البلاد تتزين وتتهيئ لتبعث برسالة حب لكل محبى السلام والفنون في العالم.