الشيخ محمد عبده: الإصلاحي العظيم بين التعليم التقليدي والانفتاح على الفكر الحديث
الشيخ محمد عبده: الإصلاحي العظيم بين التعليم التقليدي والانفتاح على الفكر الحديث
يعتبر الشيخ محمد عبده، أحد أبرز أعلام الإصلاح في العصر الحديث. عاش في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكرس معظم حياته في مصر، باستثناء ست سنوات قضاها في المنفى. هذه الفترة. التي تنقل فيها بين بيروت وباريس ولندن، أتاحته فرصة للعيش في أجواء عرفت الأفكار الغربية الحديثة ووفرت له الاطلاع على الآراء المختلفة. مما جعله غير قادر على تجاهل تأثيرها أو الابتعاد عنها.
من هو الشيخ محمد عبده
كانت شخصية محمد عبده مزيجًا فريدًا من التعليم التقليدي الذي تلقاه في الأزهر وتأثير السيد جمال الدين الأفغاني، بالإضافة إلى الانفتاح على الفكر الغربي خاصة في مجالات الفلسفة والتشريع. بدأ تعليمه في منزل والده حيث تعلم القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى دار لتحفيظ القرآن. بعدها بدأ حضور دروس العلم في المسجد الأحمدي بطنطا. ولكنه واجه صعوبة في استيعاب الدروس بسبب سوء طرق التدريس آنذاك، مما دفعه للابتعاد عنها مؤقتًا. بفضل تشجيع أحد أخواله، الشيخ درويش. عاد عبده إلى طلب العلم وانتقل إلى الأزهر حيث نال الشهادة العالمية.
تنوعت المناصب التي شغلها محمد عبده، مما عكس قدراته الواسعة وتأثيره البارز. حيث بدأ العمل في تحرير جريدة “الوقائع المصرية”، ثم انتقل إلى التدريس في دار العلوم ومدارس بيروت. كما تولى القضاء وعضوية مجلس شورى القوانين، وشغل منصب إفتاء الديار المصرية، وهو المنصب الذي ترك فيه بصمة واضحة. إلا أن منصب مشيخة الأزهر، الذي كان يحلم به، حرم منه لأسباب متعددة. ورغم ذلك، قدم إسهامات بارزة في تفسير القرآن الكريم من خلال مشروع “تفسير المنار”، الذي استكمله السيد رشيد رضا بعد وفاته.
جهود محمد عبده
وفي هذا الصدد قال محمد عشماوي أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، أن جهود محمد عبده لا تقتصر على الإصلاح الديني فحسب، بل شملت أيضًا العمل السياسي. ففي عام 1899 عين عضوًا في مجلس الشورى، حيث واجه تحديات مع الحكومة في قضايا عديدة، إذ كانت الحكومة تتجاهل كثيرًا من مقترحات المجلس المتعلقة بالصالح العام. كما ترك محمد عبده بصمته في هذا المجال، حيث كان دائمًا يسعى لتحقيق النفع للأمة.
ورغم عدم نجاحه في إصلاح الأزهر أثناء حياته، إلا أن الخطط التي وضعها شكلت أساس النهضة التي شهدها الأزهر بعد وفاته بسنوات. لم يكن محمد عبده يكتفي بالدعوة للإصلاح نظريًا، بل كان يسعى لتحويل أفكاره إلى واقع ملموس. تميز بروحه المتسامحة وصبره على الأذى، حتى وصفه السيد جمال الدين الأفغاني بأنه “ملاك”.
كان الشيخ محمد عبده رمزًا للإصلاح والتجديد، إذ ترك إرثًا فكريًا وعمليًا أثرى الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية في مصر والعالم الإسلامي. وظلت أعماله شاهدة على رؤيته العميقة وحبه للأمة وسعيه للنهوض بها نحو الأفضل.