خبير عسكري يروي قصة استشهاد البطل جواد حسني على يد الاحتلال الفرنسي
أسماء صبحي
جواد حسني، شارع يعرفه المواطن عندما يخرج من محطة مترو محمد نجيب، أو جمال عبد الناصر، أو السادات، أو سعد زغلول، أو أحمد عرابي، ليتوجه إلى منطقة وسط القاهرة ، وفي قلب الوسط يلتفت إلى اسم شارع جواد حسني.
ويظن المواطن أن جواد هو شخصية سياسية مثل غيره من الشخصيات المسمى على اسمها الشوارع. مثل عدلي، وعبد الخالق ثروت، وإبراهيم، وطلعت حرب، وشريف، وغيرهم. ولكن الحقيقة أن جواد حسني لا ينتمي لهذا الجيل، بل يتأخر عنه بأجيال عديدة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي. فضلاً عن أنه شاب وليس بالكبير سناً.
من هو جواد حسني
ومن جهته، قال اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، إن جواد حسني هو مواطن مصري استشهد على يد الجيش الفرنسي في عام 1956. إبان العدوان الثلاثي على مصر، والتحق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة في العام الدراسى 1952-1953.
وأضاف سالم، أن جواد ولد يوم 20 إبريل 1935 بحي جاردن سيتي بالقاهرة، من أسرة لها تاريخها العريق في النضال الوطنى.. فجده كان من أنصار أحمد عرابى، ووالده علي زين العابدين حسني اشترك فى مظاهرات الطلبة أثناء ثورة 1919 بالإسكندرية. واعتقل حتى أفرج عنه سعد زغلول عند توليه الوزارة. وأكمل تعليمه في إنجلترا وتزوج من إنجليزية وعاد إلى مصر عام 1930. واشترك في جميع المفاوضات المصرية البريطانية التي انتهت بتوقيع اتفاقية الجلاء عن مصر في أكتوبر عام 1954. ولهذا حصل على وسام الجمهورية. أما عم جواد فهو الضابط البحرس فؤاد حسني، وكان من طاقم الباخرة الحربية “فاروس” التي كانت تدافع عن مياهنا الإقليمية أمام مدينة الإسكندرية في الحرب العالمية الثانية. وارتطمت بلغم بحري غرسه الأعداء فانفجرت، واستشهد عام 1942، ورقدت جثته في قاع البحر.
وأضاف سالم، إن جواد، كان امتداداً لهذا الفداء الوطني في عائلته. فبعد قرار تأميم قناة السويس وبدأت قوى الشر العالمية تعد العدة لغزو مصر. حيث اتفقت إنجلترا مع فرنسا وإسرائيل على شن هجومًا على مصر عرف باسم حرب 56. واجه الشعب والجيش القوات المعتدية ببسالة حيث تدفق الفدائيون علي منطقة القناة. ونظمت قوات المقاومة الشعبية صفوفها بعد أن نقلت إليهم الأسلحة والذخائر والمعدات عن طريق صيادي الأسماك ببحيرة المنزلة. لتسطر بدمائها تاريخ حقبة من أشرف الصفحات في تاريخ الوطن.
قصة بطولته
وتابع اللواء نصر سالم، إنه وسط زحام البطولات التي شهدتها تلك الحقبة كانت قصة بطولة الشهيد جواد حسني قائد كتيبة كلية الحقوق بجامعة القاهرة الذي لبى نداء الوطن. وكان ما يزال طالبًا بالسنة الأخيرة في كلية الحقوق. فانطلق مع مجموعة من الشباب كونها للدفاع عن أرض الوطن إلى منطقة القنال ليأخذوا أماكنهم في المعركة.
وأشار إلى أنه في مساء يوم الجمعة 16 نوفمبر 1956، بعد أن علموا أن بعض القطع البحرية المغيرة أنزلت قوات كوماندوز بالسويس للوصول إلى بورسعيد. خرج جواد حسني في دورية استطلاعية مع زملاؤه في القنطرة، وتوغلت كتيبة الحرس الوطني داخل سيناء فقابلتهم دورية إسرائيلية كانت مرابطة عند الكيلو 39 في طريق “الكاب” شرقي قناة السويس. واشتبكوا معهم فأطلق رصاص رشاشه عليهم فأصيب برصاصة في كتفه الأيسر، فتقدم منه زملاءه وضمدوا جرحه وطلبوا منه العودة، لكنه رفض وتعهد بحمايتهم بنيران رشاشه.
واستطرد: “في الليل تسلل جواد حسنى من بين أفراد الكتيبة، وواصل التقدم حتى وصل إلى الضفة الشرقية التي احتلتها القوات الفرنسية. فاشتبك مع دورية فرنسية وكان مدفعه سريع الطلقات (600 طلقة في الدقيقة). فظن الفرنسيون أنهم يحاربون قوة كبيرة فطلبوا النجدة، فإذا بقوة من الجنود الفرنسيين تتقدم تجاهه واخذ جواد يقذفهم بالقنابل اليدوية مع نيران مدفعه ودماءه تنزف. فسقط مغشيًا عليه، فتقدمت القوات نحوه وهي تظن أن هذا السقوط خدعة. فوجدت شابًا في الحادية والعشرون من عمره ملقى وسط بركة من الدماء يحتضن مدفعه ويقبض على قنبلة شديدة الانفجار. فنقلوه إلى معسكر الأسرى وسجل بدمائه التي تنزف قصة اعتقاله وتعذيبه يوم بيوم ابتداءً من يوم اسره في 16 نوفمبر 1956.
كلمات من ذهب
وأشار رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، إلى أن قائد القوات الفرنسية جاء بنفسه ليستجوبه. ولكن جواد لم يتكلم لينقذ نفسه بل مد إصبعه في أحد جروحه وكتب على الحائط – بدمائه – عبارات يذكرها التاريخ: “اسمي (جواد). طالب بكلية الحقوق. فوجئت بالغرباء يقذفون أرضي بالقنابل فنهضت لنصرته، وتلبية ندائه. والحمد لله لقد شفيت غليلي في أعداء البشرية، وأنا الآن سجين وجرحي ينزف بالدماء. أنا هنا في معسكر الأعداء أتحمل أقسى أنواع التعذيب”.
وأوضح أن جواد رفض أن يبوح بأى كلمة من أسرار الوطن. فأوهمه قائد القوات الفرنسية أنه سيطلق سراحه وأمره بالخروج من حجرة الأسرى. وأثناء سيره أطلق الجنود الفرنسيون رشاشاتهم على ظهره فسقط شهيداً في الثاني من ديسمبر 1956. وقامت كلية الحقوق بجامعة القاهرة بتكريم اسم الشهيد جواد حسني بوضع نصب تذكاري إهداءً إلى روحه العطرة في قلب المبنى الرئيسي للكلية.