ملحمة الألف يوم.. الحرب التي مهدت لنصر أكتوبر
ملحمة الألف يوم في صيف عام 1967، وتحت سماء اشتعلت بنيران الهزيمة في حرب يونيو، بدأت فصول حكاية جديدة أطلق عليها بعض الإسرائيليين حرب الألف يوم، بينما سماها الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر حرب الاستنزاف، كانت قناة السويس، ذلك الشريان المائي العظيم، مسرحا لصراع عنيف بين مصر وإسرائيل، حيث واجهت الإرادة المصرية الصلبة الطمع الإسرائيلي في السيطرة والهيمنة.
ملحمة الألف يوم
في الأول من يوليو 1967، تقدمت المدرعات الإسرائيلية نحو مدينة بور فؤاد بهدف احتلالها، لكن قوة صغيرة من الصاعقة المصرية تصدت لها بشجاعة في معركة رأس العش، كانت تلك اللحظة الشرارة الأولى التي أشعلت حربا استمرت ثلاث سنوات، وقف خلالها المقاتلون المصريون كالجبال، متمسكين بتعليمات القيادة القاطعة، الموت في مواقعهم أشرف من الانسحاب.
تصاعد المواجهة
بعد هزيمة يونيو، أعاد الجيش المصري تنظيم صفوفه على الضفة الغربية لقناة السويس، مستندا إلى روح القتال وإيمان جنوده، لم تكن الإمكانيات كبيرة، إذ امتلك الجيش مئة دبابة ومئة وخمسين مدفعا فقط، لكن الدعم العربي والسوفييتي بدأ يتدفق تدريجيا، وفي مؤتمر الخرطوم، توحدت الدول العربية خلف مصر، وسُحبت القوات المصرية من اليمن للتركيز على الجبهة في اليوم ذاته، فتحت المدفعية المصرية نيرانها على المواقع الإسرائيلية، وردت إسرائيل بغارات جوية عنيفة، إلا أن المقاتلات المصرية تحركت بسرعة، فقصفت أهدافا إسرائيلية في سيناء في الرابع من يوليو، معلنة بدء حرب استنزاف حقيقية، لم تكن مجرد معارك بل ملحمة صمود وإصرار.
مواجهات السماء والبحر
في يوليو 1967، ظهرت شجاعة القوات الجوية المصرية في عمليات جريئة، حيث نفذت طلعات هجومية ناجحة ضد القوات الإسرائيلية في سيناء خلال يومي 14 و15 يوليو، محققة خسائر كبيرة رفعت المعنويات في صفوف المقاتلين وفي 21 أكتوبر، سجل التاريخ إحدى أعظم الملاحم البحرية حين أغرقت زوارق الصواريخ المصرية المدمرتين الإسرائيليتين إيلات ويافو قبالة سواحل بورسعيد، وكانت تلك أول مرة تستخدم فيها صواريخ سطح سطح في الشرق الأوسط، ما تسبب في صدمة عنيفة لإسرائيل التي طلبت إذنا من مصر عبر الأمم المتحدة لإنقاذ الناجين.
ردت إسرائيل بقصف معامل تكرير البترول في السويس والعديبة، لكن ذلك لم يضعف عزيمة المصريين، فقد عززت مصر دفاعاتها واستعانت بالخبراء السوفييت ومنظومات الدفاع الجوي لحماية العمق الاستراتيجي، فيما كثفت إسرائيل غاراتها بطائرات الفانتوم الحديثة على المدنيين للضغط على القيادة المصرية، إلا أن الإرادة المصرية بقيت صامدة لا تنكسر.
مرحلة الصمود
على طول الجبهة، كانت المدفعية المصرية تدوي كالرعد، وفي 20 سبتمبر 1967 ركزت نيرانها شرق الإسماعيلية مدمرة تسع دبابات إسرائيلية وموقعة خسائر جسيمة في الوقت ذاته، توغلت دوريات المشاة والقوات الخاصة المصرية إلى الضفة الشرقية، تنفذ عمليات جريئة ضد المواقع الإسرائيلية بمساندة نيران المدفعية الثقيلة، وقد نشر القناصة المصريون الرعب بين الجنود الإسرائيليين باستهدافهم الدقيق لنقاط المراقبة والقيادة.
حاولت إسرائيل فرض سيطرتها عبر عمليات إنزال فاشلة في يوليو 1967، إلا أن القوات المصرية أحبطتها محققة انتصارات برية وبحرية وجوية متتالية، وفي أكتوبر من العام نفسه، تصاعدت المواجهات عقب تدمير المدمرتين الإسرائيليتين، فقامت إسرائيل بقصف مدن القناة، لكن الرد المصري كان حاسما وسريعا، واستمرت المعارك ليوم كامل من القتال المتواصل.
نهاية الحكاية
مع حلول يونيو 1968، كثفت القوات المصرية عملياتها الهجومية ضد المواقع الإسرائيلية بشكل شبه يومي، مما أنهك الجيش الإسرائيلي في حرب طويلة لم يكن مستعدا لها، وفي السابع من أغسطس 1970، وافق الرئيس جمال عبد الناصر والملك حسين على مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار، لتنتهي المواجهات من دون تغيير في خطوط الجبهة، لم تحقق الحرب تسوية سياسية بسبب تعنت إسرائيل، لكنها أوجدت حالة لا سلم ولا حرب، كانت مقدمة طبيعية لحرب أكتوبر 1973 التي استعادت فيها مصر أرضها وكرامتها.



