سيف الدين قطز.. حرر الشام وقضى على زحف المغول في معركة “عين جالوت”
أسماء صبحي
هو الملك المظفَّر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي سلطان مصر المملوكي. يعتبر أبرز ملوك دولة المماليك على الرغم أن فترة حكمة لم تدم سوى عام واحد. لأنه استطاع أن يُوقف زحف المغول؛ الذي كاد أن يقضي على الدولة الإسلامية. حيث هزمهم هزيمة منكرة في معركة عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى حرَّر الشام.
أصله ونشأته
ولد قطز أميرًا مسلمًا في ظلِّ الدولة الخوارزمية؛ فهو محمود بن ممدود ابن أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه. ولِدَ في بلاد خوارزم شاه لأب اسمه ممدود، وأمّه التي كانت أخت الملك جلال الدين بن خوارزم شاه. كما كان جده من أعظم ملوك خوارزم شاه، وقد دخل جده في حروب طويلة مع جنكيزخان ملك التتار. إلَّا أنه هزم وتولَّى نجم الدين الحكْمَ، وكانت بداية حكمه رائعة. حيث انتصر على التتار في كثير من المعارك، إلَّا أنه بعد ذلك قام بعدَّة سقطات إلى أن وصل التتار إلى عاصمة حكْمِه.
تمَّ اختطافه عقب انهيار الدولة الخوارزمية عام (628هـ= 1231م) على يد المغول. وحمل هو وغيره من الأطفال إلى دمشق، وتمَّ بيعهم في سوق الرقيق. وأطلق عليه اسم قطز، ظلَّ قطز عبدًا يباع ويشترى إلى أن انتهى به المطاف في يد عز الدين أيبك. أحد أمراء مماليك البيت الأيوبي بمصر.
يروي شمس الدين الجزري في تاريخه عن سيف الدين قطز: “لمَّا كان في رِقِّ موسى بن غانم المقدسي بدمشق. ضربه سيِّده وسبَّه بأبيه وجدِّه، فبكى ولم يأكل شيئًا سائر يومه. فأمر ابن الزعيم الفرَّاش أن يترضَّاه ويطعمه، فروى الفرَّاش أنه جاءه بالطعام. وقال له: كل هذا البكاء من لطمة؟ فقال قطز: إنما بكائي من سَبِّه لأبي وجدِّي وهما خير منه. فقلت: مَنْ أبوك؟ واحد كافر؟! فقال: والله! ما أنا إلَّا مسلم ابن مسلم. أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك. فسكتّ وترضَّيْته”.
كما يرْوَى أنه أخبر في صغره أحدَ أقرانه أنه رأى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقد بشَّره بأنه سيملك مصر ويكسر التتار. وهذا يعني أن الرجل كان يعتبر نفسه صاحب مهمَّة. كما أنه من الصلاح بحيث رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم واصطفاه الله بذلك.
وقد وصف قطز بأنه كان شابًّا أشقر، كثَّ اللحية، بطلًا شجاعًا عفًّا عن المحارم. مترفِّعًا عن الصغائر، مواظبًا على الصلاة والصيام وتلاوة الأذكار. تزوَّج من بني قومه، ولم يخلِّف ولدًا ذكرًا؛ بل ترك ابنتين لم يسمع عنهما الناس شيئًا بعده.
قطز ووصايته على الحكم
قام الملك عز الدين أيبك بتعيين قطز نائبًا للسلطنة، وبعد أن قتل الملك المعز عز الدين أيبك على يد زوجته شجر الدر. وقتلت من بعده زوجته شجر الدر على يد جواري الزوجة الأولى لأيبك. تولَّى الحكم السلطان نور الدين علي بن أيبك. وتولَّى سيف الدين قطز الوصاية على السلطان الصغير، الذي كان يبلغ من العمر 15 سنة فقط.
أحدث صعود الطفل نور الدين إلى كرسي الحكم اضطرابات كثيرة في مصر والعالم الإسلامي. وكانت أكثر الاضطرابات تأتي من قِبَل بعض المماليك البحرية؛ الذين مكثوا في مصر. ولم يهربوا إلى الشام مع مَنْ هرب منها أيام الملك المعز عز الدين أيبك. وتزعَّم أحد هؤلاء المماليك البحرية واسمه سنجر الحلبي الثورة. وكان يرغب في الحكم لنفسه بعد مقتل عز الدين أيبك. فاضطر قطز إلى القبض عليه وحبسه.
كذلك قبض قطز على بعض رءوس الثورات المختلفة، فأسرع بقية المماليك البحرية إلى الهرب إلى الشام. وذلك ليلحقوا بزعمائهم الذين فروا قبل ذلك إلى هناك أيام الملك المعز. ولمَّا وصل المماليك البحرية إلى الشام شجَّعُوا الأمراء الأيوبيين على غزو مصر. واستجاب لهم بالفعل بعض هؤلاء الأمراء؛ ومنهم “مغيث الدين عمر” أمير الكرك. الذي تقدَّم بجيشه لغزو مصر.
وصل مغيث الدين بالفعل بجيشه إلى مصر، وخرج له قطز فصدَّه عن دخول مصر. وذلك في ذي القعدة من سنة (655هـ= 1257م)، ثم عاد مغيث الدين تراوده الأحلام لغزو مصر من جديد. ولكن صدَّه قطز مرَّة أخرى في ربيع الآخر سنة (656 هـ= 1258م).