تاريخ ومزارات

مسجد كتشاوة: صمود تاريخي ومعركة للحرية عبر العصور

يقف مسجد “كتشاوة” في قلب العاصمة الجزائرية، شامخًا أمام تحديات الزمن، متحديًا الأحداث الجسام التي مرت بها الجزائر. منذ أن تم بناؤه في أواخر القرن السابع عشر على يد العثمانيين. كما ظل هذا المسجد منبعًا للقيم الدينية والثقافية. ورغم ما عانى منه خلال الحقبة الاستعمارية. خصوصًا في ظل الاحتلال الفرنسي. إلا أن مسجد كتشاوة تحول بعد استقلال البلاد إلى رمز عظيم للحرية والتصدي للظلم.

تاريخ مسجد كتشاوة

كما يتربع المسجد أمام واجهة بحرية رائعة في ساحة الشهداء، وهو موقع يضيف له جاذبية استثنائية. يتميز المسجد بتصميمه المعماري الذي يجمع بين الطابع العربي والإسلامي، ويعكس العظمة التي تميزت بها العمارة العثمانية. شيّد العثمانيون المسجد عام 1792، وهو ما يفسر تسميته بكلمة “كتشاوة” التركية، التي تعني “العنزة” في العربية، نسبة إلى السوق القديمة في المنطقة التي تحولت لاحقًا إلى ساحة الشهداء.

تم تحويل هذا الصرح الديني بعد عامين من غزو الاحتلال الفرنسي الجزائر عام 1830، إلى مستودع للأسلحة ومقرًا لرؤساء الأساقفة. وفي عام 1844، دمر الجنرال الفرنسي دو روفيغو المسجد وأحرق المصاحف التي كانت فيه. في محاولة للقضاء على كل ما يمت بصلة للإسلام. كما ذكر الباحث الفرنسي ألبير دوفو في دراسته عن المساجد الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، أن المدينة كانت تضم العديد من المساجد والزوايا الصوفية. ولكن معظمها تعرض للتدمير أو التحويل إلى كنائس أو مخازن أو مراكز تعذيب. كما حدث مع مسجد كتشاوة الذي أصبح كنيسة كاثوليكية.

المسجد والاستعمار الفرنسي

زفي هذا الصدد قال محمد إلهامي الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية، أن السلطات الفرنسية حولت المسجد إلى إسطبل في خطوة هدفها ضرب كل ما يرتبط بالشريعة الإسلامية. ومع ذلك، كانت مقاومة الشعب الجزائري قوية، وفي ديسمبر 1832، تجمع حوالي أربعة آلاف جزائري داخل مسجد كتشاوة في محاولة لصد مخططات الاحتلال. وفي مشهد مروع، أمر الجنرال دي روفيغو بقتل جميع المصلين داخل المسجد، قائلاً جملته الشهيرة: “أريد أجمل مسجد في المدينة لأجعله معبدًا لإله المسيحيين”.

و تم تحويل المسجد إلى كاتدرائية سميت “سانت فيليب”، وأدى المسيحيون أول صلاة فيها ليلة عيد الميلاد 1844. كما استمرت الكاتدرائية في أداء دورها حتى استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962. وفي نفس العام، شهد المسجد تحولًا تاريخيًا عندما ألقى الشيخ البشير الإبراهيمي أول خطبة جمعة في المسجد بعد سنوات من الاحتلال.

تعرض المسجد لزلزال في عام 2003، أدى إلى تضرره بشكل كبير، فتم غلقه مؤقتًا. إلا أن السلطات الجزائرية، بالتعاون مع تركيا وبعض علماء الآثار الجزائريين، بدأت في ترميمه. استمر العمل على ترميم المسجد لمدة ثلاث سنوات، ليعود إلى نشاطه في 2018، حينما شهد المسجد احتفالًا كبيرًا بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزوجته، حيث تم إعادة تدشينه ليعيد المسجد مكانته كأيقونة معمارية وتاريخية حية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى