تاريخ ومزارات

بعد مرور”152 عامًا علي افتتاح قناة السويس نرصد جهود  بدو سيناء فى حفر القناة

بعد مرور”152 عامًا علي افتتاح قناة السويس نرصد جهود  بدو سيناء فى حفر القناة

كتب / حاتم عبدالهادي السيد :
يعد المصريون القدماء أول من شق قناة لربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عن طريق نهر النيل
وفروعه، وكانت قناة سيزوستريس أول قناة انشأها سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة عام 1874 ق.لتربط نهر النيل بالبحر الأحمر. ثم أهملت وأعيد افتتاحها عدة مرات تحت عدة أسماء منها: قناة سيتي الأول عام 1310 ق.م. فقناة دارا الأول عام 510 ق.م. ثم قناة بطليموس الثاني عام 285 ق.م. وقناة الرومان في عهد الإمبراطور تراجان عام 117، وقناة أمير المؤمنين عام 640، بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص، وظلت 150 عاماً إلى أن أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردم القناة التي كانت تصل بين الفسطاط والسويس، وسدها من ناحية السويس، منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي، وبعدها فتحها هارون الرشيد لمدة وبعده ردمت من جديد ، ثم أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل، وأغلقت القناة حتى عام 1820، وعندما أكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي تغيرت معه حركة التجارة العالمية.
وإذا كان هيرودوت قد قال بأن مصر هبة النيل؛ فأنا أقول بأن قناة السويس هي ثروة الله لمصر؛ والتي انشأها المستعمر الفرنسي لغرض سياسي لإحداث المعادلة في ميزان القوى مع بريطانيا آنذاك. وقناة السويس جزء مهم من تاريخ مصر الحديث، حيث لعبت القوى الكبرى أثناء حفرها دوراً كبيراً، كما يقول د. / محمد أبو الغيط في مقاله ” الفلاح المصري بطل قناة السويس “؛ وكانت فرنسا صاحبة المشروع ولكن إنجلترا والسلطان العثمانى حاولتا عرقلة المشروع. ولما ظهرت بوادر نجاحه دخلت إنجلترا فيه بالضغط على ديليسبس والخديو المصرى. وقد تسببت القناة فى عدة حروب وسقط بسببها آلاف الشهداء من المصريينوكانت أول الحروب لإحتلال مصر من جانب بريطانيا..
وفى أول اتفاق بين المهندس الفرنسى ديليسبس – صاحب فكرة حفر القناة – والخديوي سعيد عام 1856 تمت الموافقة على المشروع وإعطاء الأرض لشركة القناة والتعهد بتوفير العمالة المصرية، ولكن الخديو طلب عدم نشر الاتفاق حتى لا يثير غضب القوى الكبرى والشعب المصرى.
ولقد حاول ديليسبس عام 1860 توفير عمالة من( بدو سيناء ) واستيراد عمالة أجنبية، ولكن الأعداد كانت قليلة جداً ومكلفة. وتم الضغط على الخديوي للالتزام بالاتفاق غير المنشور وبالقيام بتوفير العمالة من الفلاحين المصريين بالسخرة؛.ثم ارتفعت العمالة بمرور الوقت وزادت الأعداد لحد يفوق الخيال . وبالفعل شارك بدو سيناء من مدينة العريش؛ وبئر العبد وبعض نفر من مدينة رفح وبعض قرى سيناء في الحفر؛ كما شارك أهل مدينة الطور وأبو رديس وأبوزنيمة في أعمال الحفر لقربهم من ضفة القناة كذلك .

 

ولقد أقام بدو سيناء خيامهم بالقرب من أعمال الحفر؛ في القنطرة شرق حاليًا؛- وهي مدينة قديمة وجدت آثار لوجودها في الآثار القديمة؛ وفي رحلة العائلة المقدسة حيث مكثت بها السيدة مريم العذراء لعدة أيام للإستراحة أثناء رحلتها ومرورها من دير لحم بفلسطين؛ ثم إلي الفرما بسيناء ثم إلي مصر. وكانت سيناء كلها وغزة تابعتين اداريًا لمحافظة الشرقية في مصر آنذاك؛ أي أن غزة هي أرض مصرية؛ قبل ترسيم الحدود عام 1904 في عهد الإحتلال البريطاني لمصر .
كما تم جلب مجموعة من جنوب سيناء للعمل في حفر قناة السويس من الطور؛ ومن قبائلها هناك حيث(الطورة عشاق آلة السمسمية). وكانت الطور تابعة لمدينة السويس آنذاك؛ ولم تكن بورسعيد والإسماعيلية قد شُيدتا في هذا الوقت؛ ويعزي إلى حفر القناة ظهور المدينتين؛ ومعهما بورفؤاد إلى حيز الوجود .
السامر السيناوي وقناة السويس
لقد بدأ بدو سيناء في نصب خيامهم ومعرشاتهم بالقرب من أعمال الحفر؛ وكانوا يشعلون النار في الليل للتدفئة؛أو لطهي لحم الماعز والخراف عن طريق الشواء؛ وكذلك للتسامر فيما بينهم؛ أو لإقامة حفلات ” السامر السيناوي ” حيث يتسلون بعد التعب وأعمال الحفر من جهة؛ وليقدموا فنونهم في السامر من شعر بدوي ورقص للدحية والمربوعة والدبكة على أنغام آلة ” الربابة ” و” الأرغول”؛ وكذلك “المزمار”؛ والسمسمية التي عرفوها عن طريق مخالطتهم بأهل السويس- حيث كان يعمل بعضهم هناك – قبل حفر القناة .
كما كانوا ينشدون الأشعار النبطية البدوية ليجددوا حياتهم بالسمر والغناء والرقص؛ حيث تتنوع الفنون القولية الشعبية بين أمثال وقصص وطرائف وسواليف سردية؛ وبين كلام شعري منظوم بأوزان مخصوصة تختلف عن أوزان الخليل بن أحمد الشعرية المعروفة؛ وهذه الأشكال التي كانوا يبدعونها علي شاطيء القناة تنقسم إلى عدة أقسام :
القصيد : ويسمى البديع أو البدع ؛ وهى قصائد يكتبها الشاعر على احدى الأوزان الشعرية المخصوصة ، ومنها قول الشاعر :
ياديرتى يامرباى وقت الطفولة ما انسى غلاكى وجيتكوا اليوم زوار
حيا الله أولاد الجبل والسهولة والمتر يرزم مثل دقة الثار
المواليا: وهى قصائد أقل فى القصر، وتستخدم مجزوء البحور ، ويلقيها الشاعرأثناء تجواله فى الصحارى والوديان ، ومنها قول الشاعر :
مرحبا يامرحبا يابكرة ياشمالية
صفى قدمك صفيّه صفّة القمحة الدُّبية
بكرا ألقى على هلكى كمنهم يدوك ليه
يابكرا يلى صباحك زى اللبن فى الزبدية.
3-حداء الإبل (الهجينى ): وهى قصائد يستخدمها الشاعر ” البّدّاع وهو فوق ظهر الهجين، ليجعلها تنتشى وتواصل المسير بقوة ونشاط ، ومنها قول الشاعر:
يا ذيب ياللي تفطر القلب بعواك
يا ذيب حالك ما هو مثل حالي
إنت بعويلك يمن تقظب الشاة
وانا بعويلي يوم تيتموا عيالي.
4-غناء الرقص (أغانى السامر) : وهى قصائد تلقى فى المناسبات الإجتماعية المتعددة ومنها :
الدّحية : وهى مشتقة من الدّح أى التصفيق بالأيدى، وتسمى البدع كذلك، ويبدأ الغناء بين صفين من الرجال تتوسطهم امرأة فى الوسط مغممة الوجه ولا يظهر من وجهها أى شىء ، ومتشحة بالسواد ، وتسمى الحاشية وبيدها عصا، ويبدأ الإنشاد بقول الشاعر :
دا حيوه داحيوه ذكر محمد لا تنسوه
هاتوا غزال البحر هاتوه يرقص معنا داحيوه
وكلمة ( دا حيوه : أى هذا الرجل حيّوه ،أى التحية لفلان).
فيرد عليه الشاعر :
ربعك ربيعك يالغالى مد ايدك سلّم عليّه
فيرد عليه الآخر :
ربعك ربيعك يا الغالى والكل بسيف وشبرية
فيرد عليه الآخر :
والله لأعمّر سامركو لو لحقت ضرب الشبريّة
فيرد الآخر :
ان دح قليبك يا الغالي قلبي بيسمّع دويّهلى الرقص والغناء حتى الهزيع الأخير من الليل، ويتحمس الشعراء لقول الشعر حتى الرمق الأخير .
ب-المربوعة : وهى أغانى تلقى بعد الدحية “، حيث يسبقها
قولهم : ( هولو هولو بك ياهولو ) وقد تشترك أكثر من راقصة فى الحلقة فتلتهب أفئدة الشعراء ، فيبدأ الشاعر فى الإنشاد:
مربوعة لن سويناها على الحول بتفطم طناها
فيرد الحضور:( هولوا هولو بك ياهولو ) وسط التصفيق،ومن أمثلة المربوعة قول شاعرهم :
مربوعه لن سويناهي.. عالحول بتفطم طناهى
فيرد البداع بقوله : اعطوني الخمس من ايداكو والخمس رواح الدحية
فيرد الرجال في الصفين المتقابلين:
هي هيه .. رايحين نقول الريداه(أى نقول الكلام الطيب ).
فيرد البداع المقابل:
اعطوني الخمس من ايداكو والخمس حفيف الكينية
فيرد الجمع: هولو هولو بك ياهولو : أى أهلا بك وسهلاَ،
ويرد الشاعر قائلاً :
يا هلا ويا هلايتيني.. سلام البدو بالعين
يا مرحب يوم انك جيتي.. فجيتي العتمة وضويتي
ويبدأ الشاعر الثانى فيقول :
يا ربِّ تطلع القمْره.. ونشوف البيضا من السمرا
يا زهرة ف نص الوديان. . وأبوكي شيخ العربان.
وتستمر أغانى المربوعة لوقت ممتد من الليل كذلك .
ومنها الرزيع أو الرزعة؛ والرويحاني، وغيرها .

الألعاب الشعبية
” السيجة السيناوية على ضفتي قناة السويس”
كان بدو سيناء في وقت العصر علي ضفاف القناة يلعبون ” السيجة السيناوية ” في أوقات الراحة والعطلات؛ كما كانوا يتسابقون علي الإبل؛ والهجن السيناوية؛ والخيول؛ وقد كان ذلك في بداية أعمال الحفر؛ إلا أن أغلبهم لم يطل المكوث في الحفر؛ بسبب تعنت شركة القناة وديلسبس معهم؛ فهرب كثير منهم؛ وانتشروا في ربوع سيناء؛ وداخل الأراضي المصرية؛ ولعل ذلك كان أحد أسباب انتشار قبائل سيناء في محافظات مصر المختلفة آنذاك؛ ولقد وجدنا لهم ذكر في ” جرد العربان ” في ” مكتبة بنها القديمة” حسبما يقول أحمد لطفي السيد في وثائقه عن جرد العربان في مصر؛ وفي كتابه غن عرب العقيلات وقبائل مصر ؛حيث كان الغرض من الجرد – والذي تم انشاؤه بعد احتلال الانجليز لمصر لحصر العربان الذين انتشروا في الديار المصرية؛ ولتجنيدهم؛ أو لمعرفة أماكن تواجدهم؛ لانهم كانوا يقومون بثورات علي الإنجليز؛ كما كانوا سببًا في قيام ثورة عرابي ومساعدتهم له؛ ثم خروجهم وعزوفهم عنه بعد ذلك ‘لي جانب العربان الآخرين في كافة ربوع الوجه البحري والدلتا وصعيد مصر..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى