نهاوند ملحمة الإسلام الكبرى

كانت معركة نهاوند واحدة من أعظم المعارك التي خاضها المسلمون، فقد أنهت سيطرة الإمبراطورية الساسانية التي استمرت أكثر من أربعة قرون، وفتحت الطريق أمام المسلمين للسيطرة على بلاد فارس بالكامل. وقعت المعركة في العام الحادي والعشرين للهجرة في منطقة نهاوند الفارسية، خلال خلافة عمر بن الخطاب الذي اختار النعمان بن مقرن المزني لقيادة الجيش الإسلامي. حملت هذه المعركة اسم فتح الفتوح لأنها كانت الضربة القاضية للفرس، حيث لم يتمكنوا بعدها من استعادة قوتهم أو توحيد صفوفهم مرة أخرى.
الطريق إلى المعركة والاستعدادات الحاسمة
بعد سلسلة من الهزائم المتتالية التي تعرض لها الفرس، أدرك يزدجرد ملك الفرس أن موقفه بات في غاية الخطورة، فقرر حشد آخر ما تبقى له من قوات في نهاوند، مستعيناً بمقاتلين من مناطق السند وحلوان والباب. عيّن القائد الفارسي ذا الحاجب الملقب بالفيرزان على رأس الجيش، في محاولة أخيرة لصد المسلمين. وصل الخبر إلى الخليفة عمر بن الخطاب عن طريق عمار بن ياسر، فدعا إلى مشاورة الصحابة، وبعد مناقشات طويلة، تقرر إرسال جيش قوي لمواجهة الفرس. قال عمر قولته المشهورة أما والله لأولين أمرهم رجلاً ليكونن أول الأسنة إذا لقيها غداً وعندما سئل عن القائد المنتظر، أعلن اختياره للنعمان بن مقرن، ثم أصدر أوامره إلى قادة المسلمين في مختلف الأمصار لحشد القوات، فتم تجهيز جيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل.
تحصينات الفرس والعقبات الصعبة
تحرك الجيش الإسلامي بقيادة النعمان بن مقرن نحو نهاوند، ليجد المدينة محاطة بتحصينات منيعة، إذ أقام الفرس خندقاً عميقاً وحسكاً شائكاً لمنع تقدم المسلمين. كانت المدينة تعج بالمقاتلين الذين هربوا من معركة القادسية، كما تمركز رماة النشاب الفارسيون على أطراف الأسوار، مستعدين لصد أي هجوم إسلامي. حاول المسلمون التقدم لكنهم واجهوا صعوبة كبيرة بسبب التحصينات القوية وسهام الفرس التي كانت تنهال عليهم من كل اتجاه، فاستمر الوضع على هذا الحال لمدة يومين دون تحقيق أي اختراق.
خطة عبقرية لتغيير مسار المعركة
اجتمع النعمان بن مقرن بقادة الجيش لمناقشة الحلول، فاقترح طليحة بن خويلد الأسدي خطة ذكية تتلخص في استفزاز الفرس لاستدراجهم خارج تحصيناتهم ثم محاصرتهم في أرض مكشوفة. تضمنت الخطة عدة مراحل بدأت بخروج فرسان المسلمين لاستفزاز الفرس ودفعهم لملاحقتهم، ثم تظاهر المسلمين بالهزيمة والتراجع بسرعة، الأمر الذي جعل الفرس يندفعون خارج أسوارهم معتقدين أنهم يحققون نصراً سهلاً. لكنهم وقعوا في الفخ، إذ كانت القوات الإسلامية تنتظرهم على أطراف ساحة المعركة، حيث أطبق عليهم المسلمون من جميع الجهات.
هزيمة ساحقة وسقوط الدولة الساسانية
عندما أدرك الفرس أنهم تعرضوا للخداع، حاولوا العودة إلى تحصيناتهم، لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين، وسقط المئات منهم في الخنادق أو أصيبوا بالحسك الشائك الذي زرعوه بأنفسهم. تقدم القعقاع بن عمرو على رأس قوة إسلامية لملاحقة الفيرزان، وتمكن من قتله، مما أدى إلى انهيار معنويات الفرس بالكامل. بعد معركة شرسة، لقي آلاف الجنود الفرس مصرعهم وفرّ من تبقى منهم، ليدخل المسلمون نهاوند ثم همدان دون مقاومة تذكر.
نهاوند بوابة الإسلام إلى فارس
بعد هذا الانتصار العظيم، فقد الفرس قدرتهم على التجمع مجدداً، وسقطت بلادهم تحت سيطرة المسلمين، مما جعل نهاوند المعركة الحاسمة التي أنهت وجود الدولة الساسانية إلى الأبد. فتح المسلمون أبواب فارس للإسلام، وانتشر الدين في تلك البلاد، ليصبح هذا النصر نقطة تحول في التاريخ، ويُطلق على المعركة اسم فتح الفتوح لأنها لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل كانت بداية عهد جديد في المنطقة.