المقاومة الشعبية من القناة إلى سيناء
المقاومة الشعبية من القناة إلى سيناء
بقلم :حاتم عبدالهادي السيد
سيناء أرض البطولات والمجاهدين، أرض المقاومة الشعبية الباسلة، بها سار الأنبياء لرفع لواء الحق، وفوق أرضها جرت المعارك العظيمة، فكانت مقبرة للغزاة، ولم لا وهى الأرض التي تجلى فيها الرب عز وجل لموسى عليه السلام ؟!.
إن سيناء- بوابة مصر الشرقية – وحصنها الحصين عاشت لتشهد الانتصارات العظيمة لشعبنا المصري العظيم.
لقد قاوم أبناء سيناء الهكسوس والتتار والمغول والصليبين، كما قاوموا الإنجليز والفرنسيين والصهاينة، وكانوا فوق كل ذلك يحاربون من يحاربهم، ويسالمون من يسالمهم ، ولم يرتضوا الذل والمهانة، فدافعوا عن التراب الوطني، ذلك التراب الذى قدسته الأديان جميعاً.
لقد حارب أبناء سيناء، كما حارب النخيل والجمل، وحاربت الناقة والجبال، والصحارى والسهول والوديان، وليس هذا من قبيل المبالغة، بل كان لكلٍ دوره فى المقاومة الباسلة.
هذا ولم يركن البدو والحضر للاستعمار وأعوانه، بل سعوا جاهدين، فرادى وجماعات، زرافات ووحدانا لخرق صفوف الأعداء، كما قاموا بعمليات فدائية وطنية تشبه الأساطير، وتوالت قصص البطولة والفداء يحكيها الأجداد للآباء، ويرثها الأبناء عن الآباء، لتسجل قصة شعب سيناء المناضل جيلاً بعد جيل.
لقد جاءت إسرائيل إلى سيناء بعد أن أعطى الإنجليز اليهود “وعد بلفور” لإنشاء المخطط الصهيوني من الفرات إلى النيل، وعاشت فلسطين وجارتها سيناء تحت وطأة المستعمر الصهيوني الغاشم، فكانت حرب عام 1948م، وكان العدوان الثلاثي عام 1956م ثم نكسة عام 1967م وأخيراً كان النصر فى أكتوبر عام 1973م، ثم تحرير سيناء في عام 1979م لتعود سيناء إلى أحضان الوطن بعد أن رزأت تحت نير وطأة الاحتلال أعواماً طولاً.
ولقد قاوم أبناء سيناء المحتل، وشاركوا آلام الأمة العربية فى حرب اليمن، وفى حرب فلسطين، وكان منهم الشهداء الذين سالت دماؤهم لتحرير التراب العربى العظيم. وفى عام 1967م وما بعدها تجلت البطولات على الأرض الطاهرة، كما تجلت معادن الرجال؛ بل والنساء والأطفال.
وبداية لابد أن نسجل أن أبناء سيناء- دون استثناء- قد قاموا بجهود عظيمة لمقاومة المحتلين الغاشمين، فالبدوى صاحب الجمل والناقة قام بدور مشرف لتوصيل الجنود المتقهقرين إلى غرب القناة، والمرأة شاركت بإطعام وإسعاف الجنود لأبناء القوات المسلحة الباسلة، كما شارك الأطفال، وشارك النخيل بثماره وظلاله فى إخفاء الجنود وذلك بمشاركة الجبال والوهاد والسهول والوديان.
إن عظمة المقاومة تجلت فى هذه المرحلة، فكان البدو أدلاء لسير المعركة والجنود، كما كانوا مجاهدين أبطال فى المشاركة لقطع الإمدادات عن العدو، وتفجير معداته العسكرية.
ولقد قامت التنظيمات الأهلية بدافع وطنى حميم، ثم بدأت تتشكل فى صورة تنظيم أطلق عليه اسم” منظمة سيناء العربية” وأشرفت على أمره المخابرات الحربية المصرية، كما قامت تنظيمات أخرى مثل “لجنة أبناء سيناء الأحرار” والتى عملت بعد ذلك بتوجيهات من المخابرات، كما قامت بعض التنظيمات الشبابية “كمنظمة صوت العروبة” والتى قامت بالإضراب مع أبناء وأهالى سيناء، كما كان هناك رجال شرفاء يعملون بشكل فردى لا يريدون إلا ابتغاء مرضاة الله والشهادة فى سبيله، كما كانت هناك خلايا أهلية كونها بعض المخلصين وتصرفوا من أنفسهم دون تكليف، وكل ذلك يشهد على عظمة هذا الشعب السيناوى المناضل والبطل.
ولنا أن نقول: إن الانتماء والولاء، والدافع الوطنى كانوا وراء كل هذه التنظيمات وغيرها، مما يدل إلى مدى عمق الوطنية وتغلغلها فى شريان أبناء سيناء الأبطال، دون مزايدة من أحد، وتبقى ملفات منظمة سيناء وملفات المخابرات الحربية شاهدة على عظمة هؤلاء الأبطال.
( منظمة سيناء العربية )
تشكلت منظمة سيناء العربية فى القاهرة عام 1968م، وضمت فى عناصرها أبطالاً من شباب منطقة القناة وسيناء، فى السويس والإسماعيلية، وفى بورسعيد، وفى شبه جزيرة سيناء شمالها وجنوبها، ولقد أشرفت المخابرات الحربية المصرية على سير العمل بها، وذلك بغرض إقلاق العدو، وعدم جعله يركن الى الراحة، بل ليفهم أنه يعيش مع رجال يكرهونه، ومع شعب يريد له الزوال.
هذا ولقد كانت العمليات بمثابة رسائل موجهة للمخابرات الإسرائيلية ليعرفوا أن مخابراتنا ترصد تحركاتهم، ولن تجعل لهم الأرض يستطيبون على ثراها، بل ستكون مقبرة لهم إن عاجلاً أو آجلاً، ولقد توافد أبناء سيناء للانضمام للمنظمة بطرق مباشرة أو غير مباشرة، كما قاموا بتكليف ذويهم داخل الأراضى المحتلة ليقوموا بجمع المعلومات عن العدو، ورصد تحركاته، وتعدى الأمر بعد ذلك للقيام بعمليات فدائية كان لها الأثر فى خلخلة الكيان الصهيونى أمام شعوبهم من ناحية، وأمام العالم من ناحية، وهذا يدل إلى مدى شجاعة وجرأة ووطنية من كانوا يقومون بمثل هذه الأعمال، كما تم إعطاء بعضهم أجهزة لاسلكى وتزويدهم بشفرة خاصة لم يستطع العدو فهمها على الإطلاق، فكانت الشفرة أحياناً من خلال قصيدة بدوية يلقيها بعض شعراء البادية فيفهمها من بداخل الأرض المحتلة فى سيناء، كما كانت الشفرة من خلال قطعة موسيقية تبثها إذاعة “صوت العرب” وغيرها “الشعب”، ولقد كان للإعلام دوره الرائد من خلال “برنامج الشعب فى سيناء” فى تنفيذ أغلب العمليات فى الداخل؛ من خلال شفرة البرامج الموجهة وكان من الذين أدوا وكان عطاؤهم متميزاً أ/ حلمى البلك الإذاعى الشهير، ابن سيناء، أ/ عطية سالم مدير مركز المعلومات بالعريش وغيره كثيرون.
كما كان لأستاذنا/محمد محمود اليمانى، ابن سيناء البطل، الدور الرائد فى توجيه أغلب العمليات لمنظمة سيناء العربية، وكم من مرة قد عبر قناة السويس، أو البحر المتوسط ودخل إلى سيناء متخفياً، ولقد كان حقاً حلقة الوصل والجسر العظيم الذى يربط بين المجاهدين فى داخل سيناء، ومقر القيادة الحربية للمخابرات الحربية والتى كان اللواء/ عادل فؤاد أحد رجالها الأفذاذ. ولقد قامت المنظمة بتوجيه العمليات بوساطة أبناء سيناء المخلصين فى كل ربوع سيناء: فى الجنوب والوسط والشمال، ولقد أدت دوراً رائداً، ولكن النقاب لم يكشف بعد إلا عن بعض الأعمال القليلة والعظيمة التى قام بها أبناء سيناء داخل الأراضى المحتلة، وفى الجبهة، وربما يوماً يكشف عنها النقاب- وأظنه قريباً – ليرى أبناء سيناء والعالم كله بطولات أبناء الشعب المصرى على أرض سيناء، وعلى امتداد خط الجبهة من السويس والإسماعيلية وبور سعيد وبامتداد قناة السويس التى تصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط.
ولقد تمثلت البطولات لأعضاء المنظمة فى نقل الشاردين من أبناء القوات المسلحة والمصابين وعلاجهم ثم نقلهم إلى البر الغربى لقناة السويس، ولقد تشكلت فرق العمل طواعية ومن تلقاء نفسها فى شمال وجنوب سيناء، ولقد ضمت المشايخ والأهالى الذين كانوا يحملون الزاد والماء للجنود، وكذلك الأدلاء لإرشادهم إلى الطريق، بل ونقلهم عن طريق الإبل والجمال، كما أقامت المخابرات الحربية المصرية مركزاً للإعاشة والتجمع فى منطقة بئر العبد وذلك من أجل نقل الجنود عبر لنشات الملاحات إلى بور سعيد، وامتد مركز التجمع والإعاشة من قرية مصفق شرقاً إلى منطقة جلبانة غرباً، وذلك نظراً لوجود كثافة كبيرة من أحواض النخيل فى هذه المنطقة مما يساعد فى التمويه واخفاء الجنود، وكان من أبرز رجال هذا المركز المرحوم/مسعد سعيد – شهرته العبد- من قبيلة المساعيد، والمرحوم/ عبد العزيز أبو مرزوقة عمدة قبيلة البياضية ، ولقد شاركت النساء مع الأطفال وراعيات الغنم فى تقديم العون للجنود، ووصف الطرق والمسالك، وتقديم الماء وألبان الماعز، كما سيًّروا قطعان الغنم خلفهم لتخفى تتبع آثارهم من قبل الجنود الإسرائيلي.
كذلك قام أبناء سيناء بإخفاء الجنود فى منازلهم، كما قام بعض الشرفاء بإخفاء مبلغ (300 ثلاثمائة ألف جنيه مصرى) كان فى رصيد خزينة بنك الإسكندرية فرع العريش، وتم تحرير محضر رسمى مع مدير البنك لإنقاذه من أيدى السلطات الإسرائيلية التى كانت تنهب البنوك والشركات، ولقد ساعد هذا المبلغ فى صمود أبناء سيناء والموظفين بصفة عامة بعد انقطاع رواتبهم ومصادر زراعاتهم، كما قاموا بتدمير المعدات العسكرية المصرية السليمة والتى تركها جنودنا المسلحيين حتى لا يعود العدو لاستعمالها مرة أخرى، كما قام بعض الأهالى والعاملين بالسجل المدنى بجمع البطاقات العائلية والشخصية ثم قاموا باستخدامها لاستخراج بطاقات لأفراد القوات المسلحة الذين حوصروا داخل المدنية، بدلاً من بطاقاتهم العسكرية وذلك لإيهام المحتل بأنهم مواطنين وليسوا من الجنود أو الضباط، كما قام الأهالى أثناء فترة حرب الاستنزاف بالمساعدة فى جمع المعلومات عن مواقع العدو وإرسالها لمنظمة سيناء العربية عن طريق المكلفين من أجهزة المخابرات المصرية، كما قاموا من خلال توجيهات المنظمة بتدمير مبنى المخابرات العسكرية الإسرائيلية بمدينة العريش، كما قطعوا خطوط المواصلات، واختطفوا الجنود الإسرائيليين كأسرى وتم نقلهم إلى البر الغربى، كما قاموا بسرقة أسلحة العدو، ولقد تشكلت شبكات استخبارية لجمع المعلومات عن مواقع صفوف العدو، وكان كافة أفراد هذه الشبكات من أبناء سيناء، وتم القبض على العديد منهم، وتم إيداعهم داخل سجون إسرائيل، وكم لاقوا من صنوف العذاب والتنكيل والكى بالنار، والصعق بالكهرباء إلا أنهم كانوا صبورين، مؤمنين بالله وبالحرية للأوطان.
مؤتمر الحسنة
لقد حاول المحتل تدويل سيناء، وفصلها عن مصرنا الحبيبة، فتصدى له المشايخ والعواقل وتم عقد مؤتمر شهير أطلق عليه “مؤتمر الحسنة”، ورقصت إسرائيل طرباً لوهمهم بنجاح مخططهم لعزل سيناء وفرض الهيمنة الصهيونية الإمبريالية على أراضيها، ولكن المشايخ وعلى رأسهم الشيح / سالم الهرش وبتوجيهات من المخابرات الحربية المصرية استطاعوا افشال مخططهم الصهيونى بل وفضحهم فى كل وسائل الإعلام ووكالات الصحف والأنباء، والتى أتوا بها لتسجل توقيع البدو على وثيقة التدويل، ولم يعلموا أن هذه الحشود الإعلامية ستكون وسيلة لفضحهم إعلامياً وكشف مخططاتهم العدوانية. كما أن فشل المخطط كان بمثابة الرسالة والصفعة التى أعطتها مخابراتنا المصرية بالاستعانة بأبناء سيناء لكل وجوه الإسرائيليين فباتوا فى خزى من أمرهم.