تاريخ ومزارات
المعلم يعقـوب.. تعاون مع الحملة الفرنسية وتوفي وسط البحر
أسماء صبحي
المعلم يعقوب أو الجنرال يعقوب، أحد الشخصيات التي دار حولها جدل كبير في التاريخ المصري، ويرجع هذا الجدل إلى تعاونه مع الحملة الفرنسية على مصر.
واختلف المؤرخين فى تقييمه فمنهم من يتهمه بأنه خائن لمصر، بينما يراه البعض الأخر ثائر على الظلم العثماني وبطل وطني حاول جعل مصر مستقلة بمساعدة فرنسا أو إنجلترا.
مولده ونشأته
ولد يعقوب حنا بمدينة ملوي بمحافظة المنيا مصر عام 1745 م لأسرة قبطية متوسطة، تعلم بأحد الكتاتيب القبطية وتعلم بها بالأضافة إلى المواد الدينية القراءة والكتابة والحساب.
عمل يعقوب مساعدًا لبعض أبناء طائفته العاملين بجباية الأموال والحسابات حتى تعلم حرفتهم، ثم التحق بالعمل لدى سليمان بك أغا رئيس الأنكشارية ومن كبار أغنياء المماليك في عهد على بك الكبير، واستطاع عبر إشرافه على إدارة أملاك رئيس الانكشارية أن ينمي ثروته الخاصة.
مساعدته للحملة الفرنسية
انضم المعلم يعقوب لصفوف المماليك الذين حاربوا قوات حسن باشا التي نزلت في مصر لتثبيت الحكم العثماني قبل مجيء الحملة الفرنسية بفترةٍ قصيرة، وعندما جاءت الحملة الفرنسية كان المعلم يعقوب في الثالثة والخمسين من عمره.
واجهت الحملة الفرنسية الكثير من المصاعب فى تثبيت حكمهم وإدارتهم لمصر، حيث لم يكن هناك بيانات تسجل إيرادات ومصروفات البلاد والضرائب التي يجب فرضها على الشعب مما اضطره الى الاستعانه ببعض المسيحيين ممن يعملون فى جباية الأموال والصيرفة، فعين نابليون المعلم جرجس الجوهري ليكون مسئولا عن تنظيم الموارد المالية للحكومة، واستعان المعلم جرجس بيعقوب بعد أن عرض يعقوب عليه خدماته وزكاه عند الجنرال ديسيه.
واستعان به الجنرال ديسيه في حملته التي قام بها لإخضاع الصعيد ومطاردة جيش مراد بك نظرًا لخبرة المعلم يعقوب بطرق الصعيد وأوضاعه المالية والإدارية، ودرايته بطريقة تفكير المماليك لعمله معهم لفترة طويلة واشتراكه في الحروب بصفوفهم.
واشتبك يعقوب على رأس فصيلة من الفرسان الفرنسيين مع المماليك عند بلدة العتامنة بأسيوط، وأبلى بلاءً حسنًا في تلك المعركة حتى إن القائد الفرنسي قدم إليه سيفًا تذكاريًّا نُقشت عليه جملة “معركة عين القوصية 24ديسمبر 1798”.
قلعة المعلم يعقوب
وبعد حملة الصعيد عاد يعقوب إلى القاهرة وقد قامت ثورة القاهرة الأولى، فتحصَّن في قلعته التي شيَّدها في الرويعي، وضم إليه معظم عساكر الزعيم المملوكي حسن بك الجداوي وحول داره إلى ما يشبه القلعة العسكرية، وجعل لها بوابةً محصنة يقف عليها الحرس المسلحون ليلاً ونهاراً، واعتبرت قلعة المعلم يعقوب واحدةً من قلاع الفرنسيين في القاهرة.
وفي ثورة القاهرة الثانية قدم يعقوب خدمات كثيرة لمساعدة الجنرال كليبر على قمعها، فمنحه كليبر رتبة كولونيل، فبدأ يعقوب في تكوين فرقة قبطية مسلحة عرفت لاحقًا باسم الفيلق القبطي، وقام من ماله الخاص بتجهيز الفيلق بالتموين والسلاح، وكان الهدف من تكوين الفيلق هو مساعدة الفرنسيين.
سفره إلى فرنسا
وكافأ كليبر المعلم يعقوب بأن وكله بجمع الأموال العامة من الشعب كيف يشاء، واستخدم المعلم أسوأ الوسائل لجمع المال من سب وضرب وحرق الممتلكات، فأصبح له حظوة كبيرة لدى الفرنسيين فقد كان أحد أدواتهم لمعاقبة المصريين على ثورة القاهرة الثانية، وتعاظمت ثروته وازداد نفوذه.
وبعد اغتيال كليبر استمر يعقوب في تقديم خدماته للاحتلال الفرنسي وتعيين الجنرال جاك مينو، فكافأه مينو بأن منحه رتبة جنرال عام 1801م، ومع نهاية الحملة الفرنسية اضطر مينو إلى عقد مفاوضات مع العثمانين والإنجليز للجلاء بعد أن زحف الجيش العثمانى نحو القاهرة والجيش الإنجليزى نحو رشيد ووقوفه محاصراً في الإسكندرية.
عزم الجنرال يعقوب على السفر إلى فرنسا فجمع متاعه وأهله وعسكره من المسيحيين وخرج إلى الروضة ليكون مع من قرروا المغادرة مع الحملة إلى فرنسا، وركب السفينة الأنجليزية بالاس ليخرج من القاهرة في 10 أغسطس عام 1801م.
وفاته
وبعد يومين من ركوبه السفينة، أصيب يعقوب بالحمي ومات على إثر إسهال حاد، وكانت أخر وصية له أن يدفن بجوار صديقه الجنرال ديسيه، وكانت آخر كلماته وهو يحتضر للجنرال بليار أن يدفن مع صديقه ديسيه في قبر واحد.
ولم يلق قبطان السفينة بجثة يعقوب إلى البحر كالمعتاد في مثل هذه الحالة، بل استمع إلى رجاء من معه، فاحتفظ بالجثة في دن من الخمر حتى وصلت السفينة إلى مارسيليا، وهناك تم دفنها، ليُسدل الستار على الفصل الأخير في حياة يعقوب.
ويستشهد المؤرخ شفيق غربال على دور المعلم يعقوب برسالة كتبها الجنرال جاك فرانسوا مينو إلى بونابرت يقول فيها: “إنى وجدت رجلا ذا دراية ومعرفة واسعة اسمه المعلم يعقوب وهو الذي يؤدى لنا خدمات باهرة منها تعزيز قوة الجيش الفرنسي بجنود إضافية من القبط لمساعدتنا”.
وقد كتب الجنرال بليار نائب الجنرال منو في مذكراته عن يعقوب: “ومع إنه كان يعمل لحسابنا فهو لم ينس مصالحه الخاصة”.
المصادر: كتاب “المعلم يعقوب.. بين الأسطورة والحقيقة” تأليف أحمد حسين الصاوي