عادات و تقاليد

بالحديد والنار.. “البشعة” أقدم جهاز لكشف الكذب عند القبائل العربية

أميرة جادو

تعتبر “البشعة” شرط من شروط التحكيم بين البدو المتنازعين في الصحراء الشرقية لمصر، في مناطق ومحافظات سيناء والإسماعيلية والشرقية، عادة لا تزال موجودة، ويلجأ من خلالها الطرفان إلى النار لفصلهما، ويلعقانه أمام محكم متخصص يسمى “مبشع”، المكلف بفرض حكم القضاة العرفيين.

مهمة “المبشع” ليست سهلة، ولا يستطيع أحد القيام بها، فهي موجودة مصر في الوقت الحاضر، لدى أبناء قبيلة “العيايدة”.

ووفقًا لما ذكره جهاد أبو غرابة الناصري الباحث في التراث البدوي لقبائل مصر وفلسطين والشام، فإن البشعة، هي محكمة عادية يوجه فيها اتهام معين من جهة إلى الآخر يتم إثباته أو نفيه، عن طريق لعق المتهم قطعة حديدية تتوهج حرارة، وهناك بشعة قديمة كانت تتم بإبريق الماء، ولكنها اختفت.

سبب التسمية

يأتي اسم “البشعة” من بشعة الموقف، حيث يجد المتهم نفسه في موقف صعب ومخيف، يمثل لحظة حاسمة في تقرير مصير قضيته.

وتعد بمثابة المحكمة النهائية، التي لا تقبل النقض أو الاستئناف إذا كان الشخص الذي ثبتت براءته أو ذنبه، ولا يحق له مواصلة الإجراءات القانونية مع خصمه، ولكن يمنح خصمه حقه أو حرمانه من حقه إذا كان بريئا لقاء التشهير والاتهام بالباطل.

بدأ العديد من سكان القرى في وادي النيل والدول المصرية الأخرى باسخدامها بشكل متكرر في الأمور الصعبة.

وأوضح الباحث، الأسباب والقضايا التي يلجأ فيها المتخاصمين إلى البشعة، قائلاً: “في حالة القضايا التي لا يوجد فيها شهود أو دليل واضح، كقضايا القتل العمد والسرقة، عندما يمثل الطرفان أمام قاضٍ، وينكر أحد الطرفين الاتهام ضده من قبل خصمه أو المدعي أو المدعى عليه (إذا كان متأكدًا من براءته) أو يسأل القاضي أن القضية يجب نقله إلى المبشع، حيث لا يستطيع أي طرف إثبات الاتهام أو نفي التهمة”.

 

أما في حالة امتناع أحد المتخاصمين عن الذهاب للبشعة أو رفضه لاستخدامها لحل النزاع والفصل بينهم، يتم تقديمهم أمام كبار القضاة (أو الضريبية في بعض القبائل) لتحديد ما إذا كانت القضية ستنتهي باللجوء للبشعة أم لا.

وتقتصر البشعة على قبائل محددة، ويتوارث بها قبيلة واحدة فقط، وهؤلاء المبشعون معترف بهم بين القبائل، ولا يمكن لأحد آخر أن يصبح مبشعاً.

ويجب أن يمتلك المبشع بالعديد من الصفات الطيبة، منها الصلاح والتقوى وطابعه الروحي والديني الذي يتجلى فيه، وصدقه حتى لا يكذب إطلاقا، ومعرفته غير العادية ببواطن الأمور.

أنواع البشعة

 

 

وهناك ثلاثة بشع رئيسية عند قبائل بلاد بئر السبع بفلسطين وفى سيناء والشرقية بمصر وجنوب الأردن وشمال الحجاز بشبة الجزيرة العربية، وهى:

1- بشعة العيادي

وهى محصورة في عائلة أبو عويمر من المحاسنة من السلاطنة من قبيلة العيايدة في سيناء، ومقرها اليوم في الإسماعيلية.

2- بشعة الدِّبِرْ:

وهى محصورة في الدّبُور من العمران من قبيلة الحويطات في جنوبي الأردن (العقبة)، وقد انتهت هذه البشعة فعلياً عام 1976م، بموت أخر مبشع وهو على بن مساعد الدبر، وإلغاء قوانين الإشراف على البدو.

3- بشعة العلى (بلى):

وهى محصورة في عائلة العلى من القواعين من مخلد من قبيلة بلى الحجاز (وليس بلى سيناء)، ومقرها شمال غرب الحجاز، وقد انتهت كما بشعة الدبر ولم تبقى إلا بشعة العيادي.

جلسة البشعة

(العَدّف): وهو من يحدد المبشع الذى سيذهب إليه الطرفان، حيث يستثنى كل طرف مبشع، والمتبقي هو من يذهبان إليه.

(مبشع): المكلف بفرض حكم القضاة العرفيين، ويدخل في حكم القضاة عندهم آل الخبرة، وهم:

  • المَسْوَق: وهو الخبير بالإبل وأسنانها، فتسلَّم على يده غرامات الإبل.
  • أهل القطاعات: وهم آل الخبرة بالزرع والأراضي الزراعية، ويحكمون في القضايا التي تتعلق بهذه الأراضي.
  • وأهل العرائش: وهم آل الخبرة بالنخيل، ويحكمون في القضايا التي تختص بالنخيل.
  • قصاصو الأثر: وهم آل خبرة في قص الأثر، وهم في بلاد الطور مزينة والقرارشة، وفي بلاد نخل الحويطات السلالمة، وفي بلاد العريش عرب بلي.
  • لحَّاسة الختوم: وهم المشايخ المعينون من قبل الحكومة ويتناولون رواتبها، ولهم القضاء في المسائل التي تتعلق بالحكومة ورجالها، خصوصًا في ما يتعلق بأجر الجمال وحقوق القبائل فيها ونحو ذلك، قالوا: وقد سُمُّوا لحاسة الختوم؛ لأن من عادتهم لحس أختامهم عند ختم وصولات رواتبهم.
  • الحسباء أو نقالة العلوم: وهم آل الخبرة في المسائل التي تتعلق بتقاليد العرب والعهود المقررة بينهم.

(شهود): من أجل الاطلاع على مجريات ونتائج البشعة، وإخبار القاضي الذى رفعهما إلى المبشع بالنتيجة دونما تواطؤ أو كذب، وقد يكون الشهود هم الكفلاء.

(كفيلاً):  ويكون من الطرافين، من طرف المدعى ويلتزم بمواصلة سلوك الحلول السلمية المتعارف عليها في حالة ثبتت التهمة على خصمه، مثل قبول الدية في حالة القتل، وكفيلاً للمدعى عليه يكفَّل عليه أن يرضخ للحقوق المترتبة عليه لخصمه في حالة ثبتت التهمة عليه، ولا يبدأ المبشع عمله إلا بعد أن يتكافل الفريقان.

إذا لم يحضر المدعي للمكلف في الموعد المحدد فإنه يعتبر مفلوجا (خاسراً)، وتعتبر التهمة الموجهة إليه صحيحة، أما الأسباب التي قد تمنع أحد الطرفين من المثول أمام محكمة إلزامية فهي نفس الأسباب التي تمنع مثولها أمام قضاة عاديين.

وإذا ما توفر لأحد الأطراف شهود أو بينات قوية قبل موعد البشعة يحق له المطالبة بإلغاء موعد البشعة ومداولة القضية من جديد لدى القاضي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى