فندق “مينا هاوس”.. قصة قصر تاريخي شاهد على اتفاقيات عالمية
أميرة جادو
يعد فندق “مينا هاوس” الشهير من أفضل وأعرق فنادق مصر المتميزة بمكانها التاريخي، فهو يقع في بداية الطريق الصاعد المؤدي إلى الأهرامات، تحكي أحجاره وجدرانه وأثاثه قصة ما حدث في مصر قبل 150 عامًا من افتتاح قناة السويس.
أقام بالفندق خلال تاريخيه الطويل العديد من الملوك والسياسيون والفنانون، في مقدمتهم الإمبراطورة أوجيني والخديوي إسماعيل، وتشرشل وروزفلت ونيكسون والأميرة ديانا أميرة ويلز وشارلي شابلن وأجاثا كريستي وفرانك سيناترا والمطربة أسمهان وأم كلثوم وغيرهم.
شهد القصر، الذي تم تحويله إلى فندق مبني من أحجار الأهرامات، مناقشات حول خطط الحرب العالمية الثانية بين تشرشل وروزفلت في عام 1943، ومحادثات سلام بين الرئيس أنور السادات والأمريكي جيمي كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن في عام 1977.
لقد تغيرت ممراته ودرجه وغرفه الداخلية وتخطيطه وغير ذلك الكثير الآن في الفندق، لكنها تظهر بوضوح عندما تشاهد الأفلام التي تم تصويرها في داخله، مثل أنت اللي قتلت بابايا، صاحب الجلالة، حكاية حب، الفانوس السحري، وغيرها.
استراحة الخديوي
بناه الخديوي إسماعيل عام 1869 على مساحة 40 فدانًا ليكون استراحة لقضاء بعض الوقت بعد العودة من رحلات الصيد الطويلة، وحتى يتمكن من استقبال ضيوف حفل افتتاح قناة السويس، وليستقبل فيه الإمبراطورة أوجينى عند زيارتها لمصر قبيل الافتتاح.
تطل هذه الاستراحة على منطقة هضبة الأهرامات وتحيط بها حدائق الياسمين العطرة، وتشبه واحة خضراء في قلب الصحراء، ثم قام الخديوي إسماعيل بتوسيعه، وتهيئة شارع الهرم المؤدي إليه، وتحويل المبنى إلى قصر لضيوف حفل افتتاح قناة السويس.
هذا هو القصر رقم 17 الذي بناه الخديوي، كما كتب عنه الصحفي الاسكتلندي الكسندر راسل في كتابه عن افتتاح قناة السويس والذي حضر الاحتفال وزار القصر، وكتب عنه في المخططات التوفيقية “علي مبارك”، قائلًا: “إن الخديوي بنى سراي مزخرفة بجوار الأهرام”.
بعد أشهر قليلة من حفل افتتاح قناة السويس، هدم الخديوي إسماعيل القصر وبنى مكانه فندقًا من طابق واحد لاستضافة أصدقائه وضيوفه، وأشهرهم أمير ويلز وعرف الفندق بـ “فندق الأهرام” في الوثائق وعقود التملك.
بسبب ما تم إنفاقه في حفر قناة السويس ومشاريع أخرى تراكمت الديون على الخديوي إسماعيل، فانتقلت ملكية الفندق إلى الحكومة المصرية بعد أن رهن الخديوي العديد من ممتلكاته وقصوره لسداد الديون التي أخذها.
منزل الملك مينا
في عام 1883 م ، جاء الثرى الإنجليزي السيد “فريدريك هيد” لقضاء شهر العسل، كان مريضًا بمرض “السل” ونصحه الأطباء بتجربة هواء الصحراء ، وبالفعل تحسنت حالته واستعاد قوته ، فقرر شراء مبنى الفندق والأرض التي حوله، وشيد طابقًا ثانيًا للمبنى، واختار له اسمًا جديدًا، “مينا هاوس”، أي بيت الفرعون مينا، نسبة إلى الملك مينا الذي وحد البلدين.
واكتمل بناء الطابق الثاني عام 1884 وأصبح الفندق وما حوله من أراضٍ وأطيان مساحتها 295 فدانا و12 قيراطا و16سهما، ملكا لفريدريك.
في عام 1887 ، بعد وفاة فريدريك، باع شقيقه ووريثه الوحيد، سومر فيل هيد، المنزل للسيد “لوك كينج وزوجته إثيل” مقابل “15000 جنيه إسترليني” وقرروا تحويل (مينا هاوس) إلى فندق للاستفادة من شهرته، وذيوع صيته لما يحيطه من آثار هي قبلة العالم، علاوة على كونه أحد أملاك الخديوي إسماعيل، الأكثر شهرة بين الأوروبيين في ذلك الوقت.
قام لوك كينج وزوجته بتحويل المنزل إلى فندق ، وتوسعا فيه ، وبنوا أجزاء جديدة له ، باستخدام أحجار من أهرامات المهندس الإنجليزي هنري فافيرجر (1855-1922 م) ، الذي صمم فيما بعد مبنى المدرسة مدرسة فيكتوريا الشهيرة بالإسكندرية وفندق كتاركت بأسوان عام 1899م، واحتفظ الزوجان باسم المنزل القديم وعرف باسم فندق مينا هاوس.
مستشفى للجنود في الحرب العالمية
خلال الحرب العالمية الأولى، أصبح الفندق مقرًا للقوات الأسترالية والنيوزيلندية، وفي نهاية الحرب أصبح مستشفى، وخلال الحرب العالمية الثانية عام 1943، شهد فندق مينا هاوس أحداث القاهرة منها مؤتمر ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت والزعيم الصيني شيانغ كاي شيك لمناقشة أحداث الحرب.
وظل الفندق في حيازة شركة نانجوفيتش حتى عام 1961 م، عندما تم تأميمه لصالح الحكومة المصرية، وتم نقل ملكيته في أوائل السبعينيات إلى الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق (إيجوث)، والتي قامت بترميمه على يد المهندس عمرو العلفي عام 1973 م، وأسندت إدارته لشركة أوبروي الهندية ثم شركة ماريوت العالمية حتى الآن، وذلك وفق الدكتور محمد حمودة عبدالعظيم المدرس بقسم الآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا، أول أكاديمي متخصص بحث في تاريخ وعمارة فندق ميناهاوس، وحصل من خلاله على الماجستير من كلية الآثار بجامعة القاهرة عام 2013 بعنوان “قصر الخديوي إسماعيل بالهرم المعروف بفندق مينا هاوس.. دراسة أثرية فنية”.