الذكرى الـ 70 لثورة 23 يوليو.. الشعب في كتف الجيش
دعاء رحيل
قبل ثورة 23 يوليو 1952، مرت الحياة المصرية بالعديد من الأوضاع العصيبة التي كانت دافعًا قويًا لاندلاع ثورة 23 يوليو، حيث تدهورت الظروف الاقتصادية والاجتماعية في مصر بشكل كبير، وشهد المجتمع المصري في ذلك الوقت خللًا واضحًا في بنائه وعدم المساواة بين الطبقات، والفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء، كما غابت العدالة الاجتماعية في المجتمع.
وجاءت ثورة 23 يوليو من أجل القضاء على أسس الاستعمار وحصون الظلم الاجتماعي، وخلق مساحات للعمل والحياة الكريمة من خلال الإنجازات والبرامج والأعمال التي حققتها، وشهدت مصر تطوراً في كافة المجالات السياسية والحياة الاقتصادية والاجتماعية والقيام باستثمارات كبيرة في الصناعة والزراعة والتجارة.
الزراعة
تظهر الإحصائيات المتوفرة لهذه الفترة مدى سوء توزيع الممتلكات الزراعية، لأنه من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة والتي تبلغ حوالي ستة ملايين فدان، يمتلك 280 مالكًا فقط 583.400 فدان، في حين أن 1.5 مليون مالك لا يمتلكون بالفعل سوى نصف فدان لكل شخص، بل إن الغالبية العظمى من الملاك الزراعيين لا تزيد ملكية الواحد منهم عن ربع فدان، وفقًا لتقارير الهيئة العامة للاستعلامات.
وكان النشاط الزراعي بعد الثورة من أهم القطاعات التي شهدت ثورة حقيقية، مقابل كل السلبيات التي حالت دون حدوث تنمية حقيقية في القطاع الاقتصادي الرئيسي الذي كان في ذلك الوقت في قلب الاقتصاد القومي المصري، وأرسى قانون الإصلاح الزراعي أسس العدالة الاقتصادية، وأعاد رسم خريطة الملكية الزراعية، وأزال التناقضات الاجتماعية التي طالما عانى المجتمع منها.
وبلغت مساحة الأراضي المستصلحة خلال الخطة الخمسية 1959/1960-1964 / 1965 قرابة 536 ألف فدان بمتوسط 107 آلاف فدان سنوياً خلال تلك الفترة، وتم استصلاح حوالي مليون فدان خلال الفترة (1952-1970).
وكانت هذه المنطقة المعادة زراعتها مكملاً للأصول الإنتاجية في الأراضي المصرية، كما ساهمت الاستثمارات في الري والصرف في صيانة التربة وتحسين خصائصها وزيادة طاقتها الإنتاجية مما كان له أثر إيجابي في زيادة إنتاجية الأراضي.
ويعتبر مشروع السد العالي أهم مشروع أقامته مصر في تاريخها الحديث، نظرًا لتأثيره الكبير على القطاع الزراعي، وتم التصويت عليه كأكبر مشروع للبنية التحتية بالعالم في القرن العشرين، وأتاح هذا المشروع القومي الكبير زيادة نصيب مصر من المياه، مما أدى إلى زيادة الرقعة المزروعة بنحو 1.3 مليون فدان، كما نتج عنه تحويل ري الحياض إلى نظام الري المستديم.
الصناعة
قبل ثورة 23 يوليو، كانت الصناعة قائمة على جهود القطاع الخاص وبنك مصر، وشركاته، وكانت الصناعة تعتمد على المواد الخام الزراعية (مثل السكر والقطن) والمواد الخام الطبيعية (مثل الملح والفوسفات والأسمدة)، ولم تكن هناك سياسات محددة الأهداف والمعالم تسير من خلالها، كما لم يكن لها جزء كبير من الدخل القومي للبلاد، حيث كان يعتمد بشكل أساسي على الزراعة، ومنذ الثلاثينيات وحتى أوائل الخمسينيات لم تتجاوز حصة الصناعة 10٪ من الدخل القومي.
وحظيت الصناعة باهتمام كبير بعد ثورة 52، وكان من نتائجها إنشاء مئات المصانع والشركات وإنشاء عدد من الحصون الصناعية الكبيرة في المحلة الكبرى وكفر الدوار وشبرا الخيمة وحلوان ومجمع الألمونيوم بنجع حمادي والمصانع الحربية ومصانع الحديد والصلب والمشروعات الضخمة مثل السد العالي والتي ساهمت بشكل كبير في الارتقاء بالمجتمع المصري وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج القومي وتحقيق معدل نمو خلال الفترة من 1957-1967 وصلت إلى 7٪ سنويا، مما يشير إلى أن مصر استطاعت أن تحقق في العشر سنوات من الثورة تطورًا يضاهي 4 أضعاف ما حققته في الأربعين عاماً السابقة.
التجارة
قبل ثورة 23 يوليو، كانت التجارة الخارجية حكراً على الأجانب وقليل من المصريين، وكان القطن المصدر الرئيسي (حوالي 85٪ من الإجمالي) تحت سيطرة المصدرين الأجانب الذين كانوا يسيطرون في الوقت نفسه على المحالج والمكابس، والواردات كانت تمر حتمًا من خلال الوكالات المحلية للأجانب، ووكالات الاستيراد “والقومسيونجية”، وكانت التجارة الخارجية في ذلك الوقت تشكل حوالي 50٪ من الدخل القومي.
وكان الوضع نفسه ينطبق على التجارة الداخلية، حيث مثّل الأجانب الأغلبية، ويرافق تجارة القطن المحلي أجانب وتخضع لتعليمات بيوت التصدير الأجنبية والبنوك الأجنبية التي تمول الصناعة المصرية – التي يسيطر عليها الأجانب والمتمصرون، وأهم الأعمال التجارية الكبرى تتبع محلات أجنبية.
وبفضل ثورة 23 يوليو تم إلغاء كل هذا ونجح الاقتصاد المصري عام 1969 لأول مرة في تاريخ مصر في تحقيق زيادة في الفائض التجاري بفائض 46.9 مليون جنيه بالأسعار في ذلك الوقت، واعتادت المتاجر المصرية على عرض وبيع المنتجات المصرية مثل المواد الغذائية والملابس والأثاث والأجهزة الكهربائية.
انحياز الجيش لتطلعات المصريين
ومن جهته، قال موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد والمرشح الرئاسي الأسبق، إن ثورة 23 يوليو أوجدت أعظم أشكال التماسك والبطولة بين الشعب والجيش في القضاء على الظلم وفتح الطريق أمام مصر للتقدم، قائلاً: “جيش مصر العظيم يقدم تضحيات كثيرة دفاعاً عن الوطن وحماية مقدراته، فهو درع الوطن وحصنه الذى قدم ولا يزال يقدم من أجل هذا الوطن”.
وأضاف موسى أن ثورة يوليو ضربت أفضل الأمثلة على انحياز الجيش المصري العظيم لتطلعات وآمال الشعب في حياة تقوم على العدالة الاجتماعية، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة تقوم ببطولات خالدة يومًا بعد يوم تُسطر بحروف من نور في التاريخ، لاجتثاث جماعات العنف والإرهاب التي تحاول التلاعب بالأمن والاستقرار في مصر.
وقالت هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، إن جمال عبدالناصر جسد بعد ثورة يوليو الضمير الجمعي للشعب المصري، فقد قرر الشعب المصري الوقوف بجانب الجيش خلال الثورة لأنها مثلت لهم الأمل ليس فى مصر فقط بل فى القارة الأفريقية بشكل كامل، مشيرةً إلى إنتاج حوالي 1250 أغنية وطنية رصدت إنجازات ثورة يوليو.
ألهمت الطبقات الفقيرة
وفي السياق ذاته، أكد كمال أحمد، البرلماني السابق، أن المصريين لم يتذوقوا الطعم الحقيقي للحياة إلا مع اندلاع الثورة بعد أن قاد الضباط الأحرار حركة التحرير لشعب مصر من كل أنواع الإذلال من الإقطاعيين الذين سلبوا ثروات الأراضي، وانتشرت الأمراض والأوبئة بين المصريين بسبب نقص الرعاية الطبية والمستشفيات التي تخدم الفقراء، ولم يكن يسمح بدخول المستشفيات إلا للنخبة.
وقال أحمد، إن ثورة 23 يوليو ألهمت الطبقات الفقيرة التي كان أبناؤها يبحثون عن المعرفة، حيث نجحت الثورة في خفض نسبة الأمية بين المصريين واستعادة حقوق العمال والفلاحين، وأُعلن لأول مرة ما يسمى بالتأمين الصحي للمصريين، وبات هناك مستشفيات للعلاج المجاني.
وأشار البرلماني السابق إلى حصول المرأة على قدر كبير من الاهتمام، ودستور عام 1956 لم يكتف بالمساواة بين الرجل والمرأة في الانتخابات والاقتراع، ولكن أيضًا في العمل والعطلة من خلال القوانين التي تصب في مصلحة المرأة، والتي تنص على أن الدولة تساعد المرأة حتى تكون قادرة على الجمع بين المسؤولية والواجبات الأسرية، وتم تعيين أول وزيرة للشؤون الاجتماعية في مصر وهي حكمت أبو زيد.
غيّرت مجرى التاريخ
فيما أكدت البرلمانية السابقة مارجريت عازر، أن التاريخ سجل ذكرى ثورة 23 يوليو بأحرف من ذهب وستبقى خالدة على مر العصور، قائلة إن الثورة إنجاز وطني حمل لواءه أبطال القوات المسلحة.
وأضافت عازر، أن الجيش المصري نجح في القضاء على الاستعمار والتبعية، وأعاد عزة مصر وسيادتها على بلادها، ونجحت الثورة في تحقيق نقلة نوعية للشعب المصري، وقفزت به نحو عصر جديد من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وسيادة القرار الوطني.
وتابعت عازر، أن ثورة 23 يوليو غيّرت مجرى التاريخ، وأرست أسس العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية الصحيحة، وخلقت إنجازًا للمرأة من خلال منحها الفرصة لأول مرة في التاريخ للتصويت والمشاركة في الانتخابات، متابعة: “كان للثورة التأثير الأكبر على الحياة البرلمانية في مصر، إلى جانب أن الثورة أنجزت العديد من المشروعات القومية وفي مقدمتها السد العالي، وتأميم قناة السويس، وتعميم التعليم المجاني، ولها دور مهم لمصر في مؤتمرات القمة العربية”.