
كتبت – شيماء طه – في تاريخ العلوم، هناك شخصيات حفرت أسماءها بحروف من ذهب، ومن بين هؤلاء يبرز ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي، المعروف باسم ابن البيطار، أحد أعظم علماء النبات والصيدلة في التاريخ الإسلامي. بفضل أبحاثه الواسعة، أصبحت مؤلفاته مرجعًا أساسيًا لعلماء الطب والنبات حتى عصرنا الحديث.
حياته ونشأته العلمية
ولد ابن البيطار في مدينة مالقة بالأندلس في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، ونشأ في بيئة غنية بالعلوم والمعرفة. منذ صغره، أظهر اهتمامًا كبيرًا بالنباتات والأعشاب الطبية، فتتلمذ على يد أبي العباس النباتي، أحد أشهر علماء النباتات في الأندلس، وبدأ رحلته العلمية في دراسة الأعشاب وتأثيراتها العلاجية.
لم يكتفِ ابن البيطار بالتعلم في الأندلس، بل سافر إلى العديد من البلدان على سبيل المثال المغرب، ومصر، والشام، والجزيرة العربية، واليونان، لجمع النباتات ودراسة خصائصها الطبية. هذه الرحلات أثرت بشكل كبير في منهجه العلمي، حيث اعتمد على الملاحظة المباشرة والتجربة بدلاً من النقل النظري فقط.
إنجازاته العلمية
يُعد ابن البيطار أحد أوائل العلماء الذين وضعوا أساسًا علميًا للصيدلة الحديثة، حيث قام بتجميع وتصنيف أكثر من 1400 عقار نباتي وحيواني ومعدني، موضحًا تأثيراتها العلاجية واستخداماتها الطبية.
أشهر أعماله هو كتاب “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية”، والذي يعتبر أعظم موسوعة صيدلانية في العصور الوسطى. هذا الكتاب لم يقتصر على نقل المعلومات القديمة، بل أضاف ابن البيطار ملاحظاته الخاصة عن تأثيرات العقاقير. وأجرى تجارب على المرضى من أجل التحقق من فعاليتها.
كما كتب أيضًا “المغني في الأدوية المفردة”، والذي قسّم فيه الأدوية حسب الأمراض التي تعالجها، ما جعل الأطباء أكثر قدرة على وصف العلاجات المناسبة لكل حالة.
منهجه العلمي وتأثيره
كان ابن البيطار من أوائل العلماء الذين اعتمدوا على التجربة والاختبار العملي بدلاً من مجرد النقل عن السابقين. وهذا ما جعله يتفوق على علماء عصره.
انتشرت أعماله بسرعة بعد ترجمتها إلى اللاتينية في أوروبا. كما أصبحت مرجعًا رئيسيًا في الجامعات الأوروبية خلال القرون الوسطى، وأسهمت في تطوير علم الصيدلة الحديث.
تأثيره على العلم الحديث
ما زال العلماء اليوم يعتبرون ابن البيطار رائدًا في علم العقاقير. حيث أن العديد من المفاهيم التي وضعها أصبحت أساسًا للأبحاث الحديثة في الأدوية الطبيعية والعلاج بالأعشاب.
لم يكن ابن البيطار مجرد عالم نباتات، بل كان طبيبًا، وصيدليًا، وباحثًا متميزًا وضع حجر الأساس لعلم العقاقير الحديث. بأسلوبه العلمي التجريبي، استطاع أن يسبق عصره بمئات السنين. ليصبح أحد أعظم العقول العلمية في التاريخ الإسلامي، تاركًا إرثًا خالدًا في مجال الصيدلة والطب.